بعد انقطاع استمر طويلاً عدت إلى الراديو.. وترجع علاقتي غير المباشرة به إلى الخمسينات حين كان عم نصر - رحمه الله - حريصاً على اقتنائه والاستماع إليه في الصباح قبل أن يذهب إلى السوق وفي المساء عندما يعود إلى البيت. وفي مايو 67 صارت لي مع الراديو علاقة مباشرة، إذ استلفت ترانزستور من أحد الأقارب وتابعت من خلاله هزيمة يونيو 67 وما قبلها وبعدها.. وكان الترانزستور هو الوسيلة المتاحة لذلك في العالم العربي وقد لعب دوراً كبيراً في الترويج لأفكار ثورة يوليو 1952م وزعامة قائها. وفي ذلك الوقت من أواخر ستينات القرن الماضي كانت الإذاعة المصرية هي سيدة الإذاعات العربية وكان جمهورها هو الأكبر على امتداد العالم العربي وكانت تقدم كثيراً من البرامج الممتازة الجذابة وكان يأتي في المقدمة منها خطب الرئيس جمال عبدالناصر وأغنيات كوكب الشرق أم كلثوم.. وكان الاثنان الصعيدي الشامخ والفلاّحة الموهوبة ينفقان الساعات.. الأول يخطب والثانية تغني.. وما كانا يملان أبداً. وأثرت هزيمة يونيو 67 على صدقية الإذاعة المصرية وعلى الإعلام عموماً.. وكان مدخلنا في البداية لإذاعة أم درمان مباريات الهلال والمريخ.. ثم الأغاني السودانية الحديثة وحقيبة الفن.. وهناك برامج في الذاكرة منها (لسان العرب) للمرحوم الأستاذ الشاعر فراج الطيب وتفسير الدكتور عبدالله الطيب للقرآن الكريم وتلاوة الشيخ الراحل صديق أحمد حمدون وبرامج أخرى. وكان الغناء يأتي في طليعة ما يشد الناس للإذاعة السودانية فنحن شعب محب للطرب والذين يجيدون الغناء كثيرون ولذلك جلس على قمة الغناء منذ كرومة وسرور أكثر من مطرب ولم ينفرد بها مطرب واحد قط، ولذلك أيضاً فإن الإذاعة السودانية منذ نشأتها عام 1940م كانت حريصة على تلبية طلبات مستمعيها واحتياجاتهم ومنها الغناء.. وحتى في أيام احتدام المشروع الحضاري وبتر بعض الكلمات من بعض الأغنيات فإن الغناء المنبعث من الإذاعة لم يتوقف قط. ولما عدت إليها بعد انقطاع طويل وجدت أن الحال يا هو نفس الحال؛ قدر وافر من الأغنيات من مختلف الإذاعات لكن الذي لفت نظري أكثر هو قلة ما يقدم فعلاً خلال ساعات البث ويؤكد ذلك الموسيقى التي بين أي سطر وآخر والإعادات والتكرارات.. وهي مشكلة حقيقية لا تقتصر المعاناة منها على الإذاعة السودانية وإنما تشمل كل الإذاعات والفضائيات.. وقال لي الأستاذ الصحفي طه الشريف إن المادة الجديدة التي تقدمها فضائية كبيرة مثل (إم بي سي) كل يوم لا تستغرق أكثر من خمس ساعات وكل الذي يقدم بقية ساعات اليوم إعادة وترويج! ولنا عودة