بعدما قُتل الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم في مبنى وزارة الدفاع ببغداد في فبراير 1963م، وسقوط نظامه الذي بدأ في يوليو 58، كان عنوان الأهرام الرئيسي هو «الحمد لله». ووافق السقوط شهر رمضان المعظم، وفي رمضان الحالي دخل الثوار الليبيون العاصمة طرابلس، قلعة ملك الملوك الحصينة، وكان عنوان «الشرق الأوسط» السعودية هو «نهاية طاغية». ولم يكن قاسم في ضحالة وعبثية وجنون واستهتار معمر القذافي، ولم يُسجل ضده فساد مالي، وكانت فترة حكمه قصيرة استمرت خمس سنوات أو أربع سنوات وسبعة شهور، بعكس العقيد القذافي الذي صال وجال على مدى اثنين وأربعين عاماً في الساحات العربية والأفريقية والإسلامية والعالمية، وبدد ثروات بلاده ولم يحقق شيئاً ذا بال، وأصبح بضحالته وعبثيته وغرابة أطواره وأزيائه مثار تندر في العالم كله.. وكان يجسّد بالفعل أسوأ ما يمكن أن يوجد في أية زعامة عربية أو إفريقية، وكان مؤذياً للجميع، وقد تجرعنا هنا في السودان أذاه في مختلف العهود التي عاصرت حكمه البغيض منذ سبتمبر 69 تاريخ وصوله للسلطة. وكان بعض الحكام العرب والأفارقة يجاملونه أكثر من اللازم، وكان بعضهم يخافونه، وكان هناك من السياسيين الأفارقة والعرب من «كسر عينهم» بإغداقاته وبتوفيره لهم ما يحتاجون إليه من أموال وأسلحة وملاذات آمنة. وكان هناك من تصدوا له بالعين الحمراء والردود العملية، وكان منهم الرئيس المصري أنور السادات والسوداني جعفر نميري. ومن أنسب ما يمكن أن يوصف به العقيد معمر القذافي أنه كان مشوهاً كبيراً، فقد شوّه أنبل الأفكار والمذاهب السياسية، ومنها الوحدة العربية، والاشتراكية والثورة والنضال. وعلى كثرة ما خطب فإنه لم يكن خطيباً، وكان من يسمعون خطبه يفعلون ذلك لا توقعاً لسماع المفيد الجديد الجاد، ولكن ليضحكوا، ومن الممكن أن يُضاف إلى ألقابه لقب الرئيس المضحك، وأوهمه الذين حوله من ليبيين وعرب وأفارقة أنه مفكر وكاتب كبير، وإذا كان غيره من الزعماء من أمثال البريطاني ونيستون تشرشل والفرنسي شارل ديجول والروسي فلادمير ابليتش لينين... والخ، ألفّوا الكتب.. فلماذا لا يؤلّف هو كتاباً؟ فقامت الشلة الملتفة حوله بتأليف كتاب نُسب إليه سمّوه «الكتاب الأخضر» والذين قرأوا ضحكوا وماتوا من الضحك.. وأوهموه بأن هذا الكتاب لا مثيل له منذ أن عرفت البشرية الكتب، وذهبوا خطوة أبعد من ذلك بعمل مضحك آخر هو وضع الكتاب في شكل مجسمات كبيرة في الشوارع والميادين. والأرجح بعد دخول الثوار الى طرابلس أن يُسدل الستار على مرحلة القذافي، وقد أجمع الناس على ضرورة رحيله، ولن تكون ليبيا بأي حال من الأحوال بعد رحيله أسوأ مما كانت عليه خلال عهده الطويل.