فاجأ مالك عقار البلاد مساء الخميس الماضي، هو ينزلق بولاية النيل الأزرق التي فاز بحكمها في الانتخابات الأخيرة، لأتون الحرب ويسلك ذات الطريق الذي ذهب فيه رفيقه عبدالعزيز الحلو في جنوب كردفان بسيناريو لا يختلف كثيراً عما تم في جنوب كردفان ليظهر بعدها مالك بشخصية مغايرة تماماً لما ألفها عليه الجميع منذ ظهوره على السطح عقب اتفاقية السلام الموقعة في نيفاشا، ما جعل الجميع يحكمون عليه من خلال شخصيته المرحة وزيه الإفريقي الذي يبدو فيه بجسده الضخم، ومواقفه السابقة في الجيش الشعبي وحتى جهوده التي بذلها مؤخراً في رحلاته الماكوكية لاحتواء الموقف المتفجر في جنوب كردفان، بأنه رجل حكيم وأشبه بالزعماء الأفارقة التقليديين وأبعد ما يكون من زعماء الحرب أو قادتها، وهذا الحكم جاء حتى من حلفائه في المؤتمر الوطني الذين وصفوه بأنه من عقلاء الحركة الشعبية. هذه صورة شخصية مالك عقار، التي رسخت في أذهان الجميع قبل اندلاع القتال في ولاية النيل الأزرق وهم يستبعدون انزلاق الرجل لأتون الحرب وسلوك طريق رفيقه الحلو ويدخل صراع جنوب شمال السودان الجديد لمنعطف آخر شديد الخطورة في وقت تبذل فيه الجهود لإطفاء جنوب كردفان وإعادة الأمور لنصابها. كان آخرها المبادرة الإثيوبية التي أفلح فيها الرئيس ملس زيناوي في جمع الرئيس البشير ومالك عقار بصفته رئيساً للحركة الشعبية في شمال السودان، الذي لم تفلح مخرجاته في احتواء الأزمة ليتفجر الوضع ويجهر مالك عقار عبر الهاتف للواء دانيال كودي الذي اتصل به في الرابعة صباحاً لحظة اندلاع القتال ليثنيه من أن يسلك الطريق الذي ذهب فيه عبدالعزيز الحلو في جنوب كردفان. ويقول دانيال في حديثه ل«الأهرام اليوم» إنه سارع بالاتصال بمالك عقار عبر الهاتف في النيل الأزرق حتى لا يرتكب خطأ عبدالعزيز ليأتي رد مالك من الطرف الآخر على دانيال رافضاً نصيحته وأنه فضل الذهاب في طريق عبدالعزيز وأنه سيواصل فيه. ويضيف دانيال: بعد هذا الرد الذي كان غير متوقع من مالك عقار على طلبه أغلق كافة هواتفه. ويؤكد دانيال أنه رافض للعودة للحرب وسيواصل جهوده عبر مبادرته لإعادة عقار لمسار التفاوض والحل السلمي، واصفاً ما يجري بأنه عمل مخطط له من جهات أكبر منه ومن عبدالعزيز وعقار، رافضاً الكشف عنها. ويرى محمد إبراهيم نقد، زعيم الحزب الشيوعي السوداني في حديثه ل«الأهرام اليوم» أنه من الخطورة الاستهانة بالأمور أو القضايا، والنظر إلى أن النزاع في الأطراف وبعيد عن العاصمة الخرطوم، في وقت ما عاد بعد المسافة يمثل عنصر اطمئنان والسلطة المركزية ما عادت محضة في الخرطوم لأن كل الأطراف أصبح لها إحساس بأن لديها حق لدى المركز وتصر على أخذه منه. ويذهب نقد إلى أن الحل أو العلاج لهذه القضايا أصبح أكبر من السلطات المحلية ويجب لا يترك لها، سواء في جنوب كردفان أو النيل الأزرق أو دارفور، وليس عبر جمع مجموعة، بل يجب أن تطرح هذه القضايا ومناقشتها في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وعلى مستوى الصحف ومن ثم إصدار قرار من الرئاسة بالتحضير لحل قومي أياً كان الإطار الذي يتم فيه، فقط يجب مشاركة كل القوى السياسية وقبل هذا أن يبدأ الحل بمناقشة الأطراف والاستماع لرأيها مجتمعة، محذراً من أن تكرر هذه الأحداث. ويؤكد على ضرورة جمع كافة الأسلحة خارج سيطرة القوات النظامية كتصفية لمخلفات الحرب عبر ما هو متعارف عليه في مثل هذه الحالات عالمياً لأن الترتيبات الأمنية جزء من الحل وتمهيد له. فيما وصف د. عدلان الحاردلو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، انتقال الحرب إلى النيل الأزرق بالتطور الخطير، ولم يستبعد مساعدة حكومة الجنوب للجيش الشعبي في النيل الأزرق، مضيفاً أن هذه الأحداث أو الحرب يمكن أن تتطور لحرب إقليمية وتؤثر على بقية دول الإقليم لأن الكرمك على الحدود الأثيوبية. لكن مراقبين سياسيين يؤكدون أن الأمور حتى الآن في كافة رقاع الولاية تخضع للحكومة بنسبة عالية، فيما تتقوقع قوات «عقار» التى تعرضت لانشقاق (أمس) في منطقة الكرمك. وتبدو خيارات «عقار» ضعيفة فقد تحول بين ليلة وضحاها من (حاكم) لكل الأقليم، إلى مقاتل في أطراف الأقليم!!.