نستطيع الآن بكل تأكيد أن ننعتهم بأمراء المؤامرة، ليس وفق بعض التصريحات والاتهامات التي تطلق هنا وهناك، لكن وفق دلائل أخرى ووثائق ومؤلفات تؤكد أن البلاد الآن مخترقة، وأن هناك من يسعى إلى زعزعة استقرارها ومن ثم تقطيعها أوصالاً. بيار بيان - فرنسي - مؤلف كتاب مذابح (camages)، ويعتبر أحد أبرز كتاب التحقيقات السياسية في فرنسا يقول: «حاولت أن أبرهن في كتابي وأن أحلل ما يجري في السودان خصوصاً انفصال جنوب السودان، ولكي نحلل ذلك يجب أن نفهم لعبة الولاياتالمتحدة وبريطانيا وإسرائيل لفهم تشجيع التمرد. بالطبع في السودان كيف ولماذا»؟ حسب بيار فإن أمريكا تؤكد على مستوى عالمي أن السودان هو البلد الأكبر مساحة في كل أفريقيا. والنقطة الأخرى هي فتح حدوده على عشر دول، أما النقطة الأخيرة والمهمة فهي احتياطي النفط الضخم في السودان. { التحالف المقدس ويقول المحقق الفرنسي: لضمان زعزعة استقرار السودان كان لابد من العمل على تشجيع قادة الدول المجاورة للسودان؛ لإقامة ذلك التحالف المقدس الذي سيكون أحد أهدافه «قلب النظام في الخرطوم»، وشرح كتابه لاحقاً أن ذلك التحالف لم ينجح لأسباب بينها وقوع حرب بين إثيوبيا وإريتريا في ذاك الوقت، أما لوران كابيلا الذي وصفه الكاتب بأنه كان ألعوبة بين أيدي أوغندا ورواندا انفصلت عنها وبالتالي تفكك التحالف المقدس بعدما أصبحت أوغندا دولة مركزية بالنسبة لإسرائيل وأمريكا. وإذا نظرنا إلى جنوب السودان سنجد أن له حدوداً مشتركة مع أوغندا وإريتريا وإثيوبيا. ويؤكد الكاتب انطلاقاً من تلك الدول فإن عمليات سرية نفذت في جنوب السودان شملت تحركات هدفت إلى زعزعة استقرار الجنوب بغية فصله. { عام مفصلي العام 1983 هو الذي شهد انطلاقة التمرد قوياً في الجنوب بقيادة قرنق، وأشار الكاتب الفرنسي إلى أن ذلك العام الذي تمرد فيه الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني، فهمت إسرائيل ثم بريطانيا وأمريكا أنه أصبح شخصاً مهماً وبات منذ ذلك الحين رجل المنطقة والحليف الأفضل، وكانت أهم أحد الأهداف في ذلك الوقت مراقبة الخرطوم وتشجيع حركات التمرد في جنوب السودان. { مهمة خاصة وذات القرائن تؤكدها المعلومات الموثقة التي نشرها المركز السوداني للخدمات الصحفية حول الدور الأمريكي في الحرب الدائرة الآن والمشتعلة في المناطق الثلاث ابتداءً من أبيي إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق. فقد أكدت تلك المصادر أن اجتماعاً عقد في يوليو الماضي بعاصمة جنوب السودان رتب له دينق ألور بحضور سلفاكير وبعض قادة الحركة الشعبية مع موظف بالقنصلية الأمريكية بجوبا وهو المسؤول عن ملف المناطق الثلاث.. باستغلال وجود إعداد كبيرة من قوات الحركة الشعبية هنالك من أجل تحقيق الضغط على جبهة جنوب كردفان حيث تتعرض قوات الحركة هنالك إلى هزائم ساحقة على يد الجيش السوداني، وأشار المسؤول الأمريكي إلى أن من شأن إشعال جبهة أخرى من جنوب النيل الأزرق تقوية موقف حكومة الجنوب التفاوضي بخصوص القضايا العالقة مع الخرطوم وإضعاف المؤتمر الوطني.. ذات المصادر أشارت إلى تأييد قادة الشعبية الذين حضروا الاجتماع وإجماعهم حول مقترحات المسؤول الأمريكي القاضية بضرورة تقديم الدعم لكافة الحركات المتمردة خاصة حركات دارفور. { أعداء من؟ ونقلاً عن صامويل هانتنغتون في مؤلفه الشهير «صدام الحضارات» ووثيقة أخرى لهيلموت ستريزيك وأيضاً عن كتاب أليكس وال بعنوان «الإسلاموية وأعداؤها»؛ أنه بعد وصول بيل كلنتون إلى البيت الأبيض تشكلت جبهة معادية للإسلاموية، وأبدت مارلين أولبرايت - وكانت حينها مندوبة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة - اهتماماً خاصاً بدور السودان في صراع الشرق الأوسط، وتساءلت حينها عن أهمية قلب نظام البشير لمصلحة حكومة يقودها زعيم التمرد الجنوبي جون قرنق. { سيناريو التايمز اشتعال فتيل الأزمة في النيل الأزرق وقبلها في أبيي وجنوب كردفان تناولته أيضاً الصحافة الأمريكية، وتناولته مجلة التايمز الأمريكية واسعة الانتشار بعيداً عن المهنية، إذ انتقد كاتب مقال تحت عنوان The Tragedy of Sudan انتقد وحذر المتمردين الذين وصفهم بأنهم حاربوا في السابق جنباً إلى جنب مع حركات التمرد في دارفور وجبال النوبة بهدف إضعاف حكومة البشير خاصة عقب الأزمة الاقتصادية التي خلفها انفصال الجنوب وفقدان الشمال عائدات النفط، وأقر الكاتب أنها مازالت تحتاج إلى دعم الأحزاب المعارضة في الخرطوم ومن أصدقائها في الجنوب لكي تشكل تهديداً حقيقياً على الخرطوم. { مهمة ونتر وفي ذات الإطار تتسع دائرة الاتهام حول روجر ونتر وحول دوره في جنوب السودان، فقد سبق وأن أكدت الإدارة الأمريكية أن الرجل لا يمثلها وأنه مستشار خاص لحكومة الجنوب، ويعرف عن ونتر الذي كان يشغل منصب المدير التنفيذي لشؤون اللاجئين في أمريكا، وهو أحد المحافظين الجدد وعمل في مشروع اسمه أفريقيا الجديدة. قال عنه غازي صلاح الدين، مستشار الرئيس، إن ونتر وراء العديد من مشاكلنا وهو أيضاً أحد الشخصيات الأكثر خطورة بالنسبة للسودان، ووفق مسؤول أمني سوداني فإن ونتر كان ينظم اللقاءات بين قرنق ومتمردي دارفور، وأكد أن ونتر ارتبط بعلاقات قوية مع الموساد الإسرائيلي وهو الذي نشط مجموعات الضغط في أمريكا ضد الخرطوم، وهذا ما سبق وأكده قطبي المهدي عندما قال إن ونتر كان مستخدماً من اللوبيات المقربة من إسرائيل لبث الدعاية ضد السودان عبر أجهزة الإعلام ومن خلال الأممالمتحدة قبل أن ينضم إلى الإدارة الأمريكية، وتابع أن الرئيس الرواندي بول كاغاميه قال عنه حين منحه أعلى الأوسمة في بلاده إن ونتر كان مستشاراً متطوعاً لخدمة قرنق في جنوب السودان وبطل الحركة الشعبية لتحرير السودان. { رواندا ضحية وسبق وأن ذكر رئيس الوزراء الرواندي السابق؛ جيمس غازانا، في مولفه: «رواندا من الحزب الدولة إلى دولة الحماية» أن الإستراتيجية الأمريكية ضد الإسلام السوداني قد ضحت برواندا، وأن الدعم العسكري والدبلوماسي للجبهة الشعبية لرواندا عبر أوغندا كان جزءاً من الإستراتيجية العامة لدعم جيش تحرير السودان بقيادة قرنق، وأن أوغندا كانت بمثابة الغطاء للعمليات في جنوب السودان، وأن موسيفيني أصبح الحليف الوحيد الثابت ضد ما أسموه «الأصولية الإسلامية».