السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الأهرام اليوم) تقتفي أثر عصابات تهريب البشر بالشرق
نشر في الأهرام اليوم يوم 18 - 09 - 2011

يبدو أن الرق الذي ألغته معظم دول العالم قبل قرن من الزمن، عاد إلى الأضواء، مرة أخرى بشكل جديد. هذا هو ملخص تحقيق صحفي أجرته «الأهرام اليوم» عبر عدة مصادر ولقاءات مباشرة ومشاهدات على أرض الواقع بالقرب وفي معسكرات اللاجئين المتاخمة لمدينة كسلا بشرق البلاد، ويدق التحقيق ناقوس الخطر بخصوص نشاط إجرامي دولي يعتمد على تهريب البشر.
ومن خلال التحقيق،لا أحد يستطيع تصنيف البشر الهاربين ضحايا أم جناة؛ فأوضاعهم المأساوية تؤكد أنهم أضحوا عبيداً في سوق التهريب، وليس «السودان» سوى محطة ينتقلون منها إلى دول أخرى أو إلى الضياع، أو إلى «الآخرة» إذا شاءت أقدارهم ركوب سنابك «البحر الأحمر» التي باتت من وسائل التهريب التقليدية.
وبدلاً من ترك التفكير في هذه الأخطار، يبدو أن هؤلاء البشر يفضلون المخاطر على البقاء في أوطانهم، فقد بدأوا في التعامل هذه المرة مع شبكات إجرامية أشبه بعصابات المافيا مهمتها تهريب البشر تبدأ بسمسار من دولة الموطن مهمته الاتفاق على المبلغ وإيصال الهاربين إلى الحدود مع السودان ثم منه إلى (القواد) وهو خبير طرق مهمته إيصال الهدف إلى بر الأمان بعيداً عن أعين المسؤولين ثم عربة من طراز «بوكس» بها سمسار آخر سوداني ينقلهم إلى أحد المخابئ القريبة من بلد المقصد لاستلام المبلغ المتفق عليه فيضطر اللاجئ لاستغلال أهله ودفع مبالغ كبيرة قد تصل إلى (10) آلاف جنيه ضريبة دخوله كسلا أو ما يجاورها، وقد تصل إلى (20) ألف جنيه لتهريبه إلى إسرائيل، ويساوم في هذا الأمر بالإبعاد أو القتل في حالة عدم الدفع...
داخل منزل ب (أبو خمسة)
تساءلت وأنا في طريقي صوب منزلهم في منطقة تسمى (أبو خمسة) وهي إحدى المناطق الشهيرة في ولاية كسلا يتدافق إليها اللاجئون لقربها من الموقف العام عن إمكانية تقبلهم لزيارتي المفاجئة دون سابق إنذار... فوجئت بترحيبهم بي.. كانت الجلسة أشبه بجلسة (جبنة) تنقصها رائحة البخور وقطع «الفشار»، كانوا سبعة وكنت الثامنة. بدأنا بتبادل التحايا والتهاني بقدوم العيد، وبعد فراغنا كست الحيرة وجوههم فبدأت في طرح سؤالي المباشر عن موعد قدومهم إلى السودان، فمنهم من جاء قبل يومين ومنهم من أكمل سنة ويزيد.. بدأت بمن جاء حديثاً ولكن حداثته لم تقتصر على المكان فقط، وإنما على «اللغة العربية» أيضاً، فكان يتحدث المحلية، فاستعنت بأحد أصدقائه للترجمة، وسألته عن سبب مغادرته موطنه فأجاب قائلاً: أوضاعنا سيئة، لا توجد حرية لذا لا نستطيع فعل أي شيء حتى إذا أكملت تعليمي فإن الأمر سيان، فالقانون هو القانون لا مفر من الخدمة الإلزامية التي تستمر لمدة سنة وستة أشهر وبعد الانتهاء منها أيضاً لا مفر من العمل في العسكرية أيضاً، لذا لا فرق إن كنت مهندساً أو طبيباً أو غيره ففي الشهر الواحد يكون نصيب الفرد (50) جنيهاً سودانياً.
ويضيف: المشكلة بالنسبة لنا ليست في المال فقط وإنما الحرية هي أهم شيء، فنحن شعب مسالم جداً ونستطيع العيش بالبسيط (نص قراصة) وسط أهلك وأنت حر تغني عن مال الدنيا ولكن خرجنا مجبرين من منازلنا للعمل في العسكرية وعدم تسهيل الدراسة زاد من أزمتنا فالامتحان للجامعة يكون مرة واحدة، وإذا لم توفق فيها تلتحق بالعسكرية مباشرة ليس هنالك فرص للإعادة وحتى الذين وفقهم الله والتحقوا بالجامعة وتخرجوا لم يعملوا في مجالهم ولا مفر لهم أيضاً من الالتحاق بالعسكرية، وهذا ما دفعنا إلى التفكير في الهروب من إريتريا تاركين منازلنا وأهالينا واللجوء إلى السودان باعتباره متنفساً لنا. ويمضي مواصلاً: خدمت (15) سنة في العسكرية راتبي الشهري يعادل (50) جنيهاً سودانياً لا غير أعول منها والدتي ووالدي وزوجتي وأولادي ولم أفعل شيئاً للمستقبل لي أو لهم غير خدمة الدولة، وبالتأكيد لا يوجد من يرفض البقاء في دولته وسط أهله ولكن أن تكون عاجزاً عن إطعامهم وحمايتهم فلا جدوى من البقاء. ويواصل: لا يوجد من يحمي حقوقنا فمن المستحيل أن ترفع شكوى لأي مسؤول مهما كانت القضية، بالإضافة إلى وجود تفرقة عنصرية؛ فلا قانون يحمي. ويحكي عن الفترة التي قضاها في العمل مع الحكومة قائلاً: كنا نمارس ضغوطاً نفسية كبيرة جداً على المواطنين وحتى السجون نعامل من فيها أسوأ معاملة ولا توجد خدمات نقدمها للمساجين لذا كل من فقد شخصاً لا يكلف نفسه بالبحث عنه لأن مكانه معروف وهو السجن دون النظر إلى الجريمة التي ارتكبها ومنهم من يقتل ومنهم من يبقى حبيساً داخل جدران السجون ومنهم من يخرج سالماً.
المغامرة
يضيف محدثنا: لذا قررت التوجه إلى السودان، كنت حينها في مدينة (أسمرا) ولعدم معرفتي بالطريق توجهت إلى أحد السماسرة المتخصصين في تهريب البشر إلى السودان اتفق معي على (10) آلاف جنيه سوداني وقلت له إني لا أملك هذا المبلغ، وسألني السمسار إذا كان لي أحد خارج السودان أو داخل ولاية كسلا، فأجبته أن أخي الأكبر مقيم في السويد منذ (6) سنوات، وسألني عن علاقتي به وأجبته بأنها جيدة فأخد مني رقم هاتفه بالسويد. حينها وعدني بأن نلتقي مساء اليوم الثاني للرحيل وطلب مني أن أجلب معي (بلح وماء) وفعلاً ودعت أهلي وجئت في الموعد الذى قطعه وجاء معي ثلاثة آخرون هاربن. تحركنا نحن الأربعة بصحبة السمسار حيث أجرى مكالمة هاتفية مع شخص أبلغه أننا قد تحركنا وحين وصلنا إلى الحدود الإريترية السودانية فارقنا السمسار وسلمنا إلى شخص آخر وهو «خبير طرق» تولى المهمة.. تحركنا لمدة يومين مشياًً على الأقدام بطريق غابات وعرة وجبال ولكن كان الخبير يعرف الطريق جيداً فلم نصب بأي مكروه رغم خوفنا الشديد، وفي اليوم الثالث فارقنا الرجل وسلمنا إلى آخر في عربة بوكس موديل 2011، ركبنا أربعتنا بصحبة السائق واستمر سيرنا لما يقارب اليوم إلى أن وصلنا منطقة تسمى (مستورة) هناك تم احتجازنا داخل رواكيب قش أبوابها من خشب وتم قفلنا داخلها لكي لا نفكر في الهرب، وبعدها اتصل بأخي وأبلغه أنني بصحبتهم ويطلبون مبلغ (10) ملايين جنيه سوداني تسلم خلال (48) ساعة وتم الاتصال بأقرباء من كانوا معي وطلبوا ذات المبلغ وفعلاً أرسل أخي نصف المبلغ وخالي المقيم في ولاية كسلا تكفل بالباقي واستلموا ال(40) ألف جنيه، حينها تحركنا من مستورة ومنها إلى كسلا وتركنا داخل السوق الشعبي.. وعن إمكانية العودة مجدداً إلى وطنه قال: لن أعود إلا إذا تغير القانون.
هاربة مقابل مليون جنيه
لم تكن تنوي الكلام، شعرت بخوف غريب، تركتها وتوجهت إلى الحديث مع آخر لحين وصولها حد الإحساس بالأمان، وعندما لامس حديثنا وتراً حساساً لديها شاركتنا الحديث عن أوضاعهم هناك، وعن ما تعانيه النساء جراء الخدمة الإلزامية تدافعت كلماتها واحدة تلو الأخرى لدرجة أن جرى حواري معها بطريقة سلسة وممتعة، وأول ما بدأت به حديثها: جئت إلى هنا عن طريق التهريب بالتنسيق مع أحد السماسرة بمقابل مليون جنيه لأن السمسار يضمن وصولي معه بطريقة سليمة، إذ أن الهروب بدون دليل بالنسبة للفتاة يعرضها إلى محاولات اغتصاب وابتزاز من قبل بعض المنسوبين للقبائل التي تقطن الشرق الموجودة في الطريق، فقد سبق وأن تم التعرض لفتيات قادمات من دولة مجاورة للسودان.. أنا هاربة من الخدمة الإلزامية لعدم قناعتي بها وبعائدها الذي لا يسوى شيئاً أمام التزاماتي، وتواصل: تزوجت فور وصولي وأعمل بائعة شاي بالحي الذي أعيش فيه والعائد الذي أجنيه أرسل نصفه إلى أهلي عن طريق البنك والآخر أدخره للسفر إلى أوربا للعمل هنالك مع بقية أهلي المقيمين فيها.
مهرب في هيئة لاجئ
كان المهرب يتوسطهم، لم يظهر حقيقة عمله لي في بادئ الأمر وبدا كما لو أنه أحد اللاجئين، أخبرني من دلني إليه بهويته الحقيقية فقصدته في بعض المعلومات من خلال توجيه محور الأسئلة إليه حول معرفته بالمهربين من إريتريا وكيفية اللجوء إليهم قال: في السابق كان اللاجئون يخرجون من إريتريا بدون دليل ويتم قبضهم من قبل السلطات السودانية أو الإريترية ويتم إبعادهم، أما الآن فالسماسرة في إريتريا معروفون ويتم التنسيق والاتفاق معهم على مبلغ معين مقابل ضمان الوصول داخل الحدود السودانية بأمان، فالسمسار في إريتريا يقوم بالاتصال بالسمسار في السودان لتأمين العربة التي تنقلهم من منطقة معينة لدخول السودان ويقوم هو بدوره بتوصيلهم الحدود الإريترية لتسليمهم (القواد) الذي تتلخص مهمته في السير لمدة يومين كاملين سيراً على الأقدام باعتباره خبير طرق وسألته عن ما إذا كانت هنالك نقاط تفتيش قال: طبعاً توجد وهنالك جزء من أفرادهم يتعاملون مع إحدى المجموعات السكانية بالشرق باعتبارهم قطاع طرق مهمتهم التقاط كل من فر هارباً من إريترياً أو إثيوبيا ونصب كمين له واحتجازه ومساومة أهله بعد تفتيشه والاطلاع على أرقام الهواتف التي يحملها معه وفي حالة الدفع يترك وفي حالة عدم الدفع يعذب ويستبعد بقرار منهم. ويضيف: السماسرة لديهم تنسيق مع قطاع الطرق فإذا خرج اللاجئ بصحبة سمسار لا يتعرضوا له أبداً، ويواصل: هناك مكانان يتم الحجز فيهما وهما منطقة تسمى (مستورة) وأخرى (ود شريفي)، بها بيوت يحجز فيها اللاجئون إلى حين الدفع. وعن طريقة تهريب اللاجئين إلى إسرائيل رفض الحديث وواصل: الفتيات الجميلات يتم تهريبهن إلى دولة جنوب السودان للعمل في (البارات)!
الهروب من قاش بركة
انتقلت إلى سوق (العامرية) الشهير بكسلا الذى يوجد فيه اللاجئون بغرض العمل حيث التقيت بأحدهم لا يتعدى عمره ال(15) ربيعاً بدأ حديثه بقوله: سبب مجيئي معاناتي، وأردف قائلاً: أوضاعنا المادية في إريتريا سيئة للغاية، تركت المدرسة بحثاً عن العمل ولكن للأسف لا يمكن لأي أحد أن يعمل غير عسكري فقط لذا لم أحتمل فكرة دخولي إلى العسكرية فقررت الهروب من إريتريا إلى السودان ومنه إلى الخارج، تحركت حوالي الرابعة صباحاً من ولاية (قاش بركة) واتجهت عبر طريق صحراوي لمدة يوم كامل ثم استرحت ثلاث ساعات وتحركت بطريق به جبال ومرتفعات ثم غابات ثم دخلت شارع (علي قدر) ثم شارع (13) ودخلت ولاية كسلا في غضون أربعة أيام، ويواصل: هناك طرق أخرى يسلكها الهاربون وفي حالة لم يتم القبض عليهم في الطريق، يسلم بعضهم نفسه للأمم المتحدة فتقوم بإرسالهم بعد التحري والتحقيق معهم إلى أحد المعسكرات (ود شرفي، الشجراب أو 26) وتستخرج لهم بطاقة لاجئ ثم يمكن أن يخرجوا من المعسكرات للعمل ولكن في حالة تم القبض عليهم من قبل السلطات السودانية يسألوا من جوازاتهم وإن لم يكن يملكونها يتم إبعادهم فوراً إلى إريتريا مرة أخرى، والذين يتم القبض عليهم جوار الحدود الإريترية يتم معاقبتهم أما بالقتل أو تتم محاسبتهم ويسجنوا في سجن (حدش) في منطقة تسمى أباسيا. ويواصل: لذلك فور وصولي قمت بتسليم نفسي للأمم المتحدة وحولت لمعسكر (ود شرفي) واستخرجت لي بطاقة لاجئ وأنا الآن أعمل بائعاً للشاي بهذا السوق.
من إريتريا إلى إسرائيل!
وللقضية بعد أمني وإستراتيجي، فقد أبلغ «الأهرام اليوم» مصدر أمني بولاية كسلا أن اللاجئين يواجهون في بلادهم ضغوطات سياسية كبيرة بجانب سوء الأوضاع الاقتصادية وقوانين التجنيد الإجباري الذي يسمى ب(القلقلوت)، ويرسل المجندون إلى معسكر (ساوا) الذي يقع في إقليم يسمى (قاش بركة) وهو أقرب مخرج إلى السودان لذلك يهرب عدد كبير منهم إلى السودان وبعضهم يسلمون أنفسهم إلى حكومة السودان التي تقوم بدورها بتسليمهم إلى إدارة اللاجئين التي تقوم بترحيلهم إلى (ود شرفي) ومنها إلى معسكر (الشجراب) أو معسكر (26) ويتم تسجيلهم ويلتقوا بالمحامين الدوليين لكي يتعرفوا على الأسباب التي دعتهم للهروب ويقوموا بعمل تحقيق أو تحري أولي معهم عن أسباب الهروب ثم يقوموا بعمل معاينات لهم لكي يتم تهجيرهم إلى دول أوربية أو كندا أو أستراليا.
ويقول المصدر الأمني: إن دور الحكومة السودانية يقتصر في توفير المأوى كالمعسكرات ولكن إدارتهم بالكامل ترجع إلى الأمم المتحدة، أما في السابق فقد كان هنالك لاجئون إثيوبيون ولكن إدارة اللاجئين أخلت مسؤوليتها منهم وأصبحوا يعاملون كالأجانب.
أساليب جديدة:
وعن طرق ووسائل التهريب، قال المصدر الأمني ل«الأهرام اليوم»: في السابق كانوا يتسللون عن طريق رسم خارطة للطرق، حيث يتم إبلاغ اللاجئ بأن يسلك الطريق «الفلاني» إلى السودان، وفعلاً يتحركون على ذات الاتجاه وتواجههم العديد من المخاطر من بينها ذئاب الغابات أو قطاع الطرق، ولكن تطورت المسألة تدريجياً واستغل بعض الأشخاص الموقف لصالحهم وامتهنوا مهنة جديدة وهي (دلالة الطرق) فباتوا يهربوا اللاجئين من إريتريا مقابل مبالغ مالية فيتحرك اللاجئ من(أسمرا أو فانكو أو أواغردات أو13 او علي قدر) باعتبارها مناطق تابعة لأقليم قاش بركة الموازي للحدود السودانية، حيث يلتقوا أحد السماسرة ويتفق معهم على إدخال الرأس الواحد ب(5) أو (6) ملايين وما فوق ويتم إدخالهم عبر الغابات دون لقاء مع الحكومة السودانية أو الإريترية. ويضيف: إن النساء يتعرضن إلى محاولات الاغتصاب من أفراد أو مزارعين أو قطاع الطرق في حالة هروبهن دون الاتفاق مع السماسرة. ويضيف: حدود ولاية كسلا تبدأ غرباً من منطقة (حمداييت) وتنتهي في (قارورة وعقيق ومراكيب والبحر) وأقل مسافة على سبيل المثال من منطقة (حمداييت) إلى منطقة أبو قمل أو اللفة وإذا عددنا شوارع التهريب فيها لوجدناها أكثر من (90) شارعاً بمسمياتها المختلفة كابوروف والحفايرو قرصات وعاد فضل وغيرها، أما النقاط التي يتم تأمينها بنقاط ثابتة في السودان فهي منها اللفة وأبو قمل ومداييت وفي إريتريا معسكر قرصت ومعسكر على قدر و(13) وإبراهيم داؤد وآخر معسكر عيتيد وإذا تحرك متسلل أو هارب بأحد هذه الشوارع يتم قبضه من قبل الحكومة السودانية أو الإريترية ولكن المتسللين استغلوا شوارع الغابات حيث من الصعب أن تعبره عربات إحدى الحكومتين، بالإضافة إلى أن خبير الطرق الذي يطلق عليه (القواد) يتمتع بقدرة عالية جداً من الذكاء ولديه دراية وخلفية تامة عن الشوارع التي يسلكها، بالإضافة إلى ثقته التامة في أن الطريق الذي يعبره لا يمكن أن يلتقي فيه بإحدى الحكومتين وعادة المتسللون لا يستقلون عربات أو جمال وإنما يأتوا مشياً على الأقدام بصحبة القواد، حيث يأخدون زادهم من إريتريا وهو عبارة عن تمر ووجبة تسمى (الحمباشة) وهي وجبة إريترية مثل (القراصة) بها كمون أسود حتى لا تتعفن ويستمر السير من ثلاثة أيام قد تصل إلى عشرة أيام ورغم أن المسافة من اللفة لا تتعدى (38) كيلو متراً وإلى حمداييت لا تتعدي ال(60) كيلو متراً إلا أن الدخول عن طريق الغابات يعد آمناً لذا يأخد وقتاً طويلاً، ولا تنتهي صفقاتهم عند إدخالهم «كسلا» بل تعقد معهم صفقات أخرى من داخل كسلا أو من إريتريا إلى إسرائيل وتبلغ التكلفة من كسلا إلى إسرائيل (10) ملايين ومن إريتريا إلى إسرائيل (20) مليون ويتم ذلك عن طريق أوسيف أو أبو رماد أو شلاتين إلى صعيد مصر وعبر الجبال إلى إسرائيل بواسطة «بكاسي».
ويضيف كل الأجهزة الأمنية بذلت جهوداً كبيرة في القبض على أفراد الشبكة الممتدة من إريتريا مروراً بالسودان انتهاءً بإسرائيل والآن بفضل الله استطعنا القبض على عدد من المهربين والهاربين واستطعنا السيطرة على بعض الطرق التي يستغلونها لدخول الولاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.