الصمت والقبول الذي يكاد يصل إلى درجة المطلق الذي قابلت به قبائل دينكا نقوك بمشايخها التسعة وقياداتها التي مثلت دور الصقور في قيادة الحركة الشعبية الاتفاق الذي تم مؤخراً بشأن منطقة أبيي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بين وفدي حكومتي شمال وجنوب السودان وتمخض عنه قرار تكوين إدارية جديدة للمنطقة ولم تبد أي اعتراض على أي بند من بنوده خلافاً لما كان يحدث في الاتفاقيات السابقة بشأن المنطقة إبان الفترة الانتقالية التي كان سرعان ما يتم رفضها أو خرقها قبل أن يجف مدادها بإيعاز أو مباشرة من قبل قيادات دينكا نقوك الذين مثلوا دور الصقور في قيادة الحركة الشعبية وتقمصوا شخصياتها إبان الفترة الانتقالية وحتى وقت قريب قبل أن تتم هزيمتهم وإقصاؤهم من قيادات الحركة وحكومة جنوب السودان في التشكيل الوزاري الأخير لها. هذا الصمت والقبول المطلق لاتفاق أديس أبابا الأخير بشأن أبيي الذي فاجأت به قبائل دينكا نقوك وقياداتها الساحة السياسية السودانية وحتى المجتمع الدولي الذي يساندها في مسعاها لضم أبيي لدولة الجنوب يفسره حديث محمد عمر الأنصاري أحد قيادات المسيرية الذي أكده ل(الأهرام اليوم) عدد من العائدين من أبناء دينكا نقوك من مناطق بحر الغزال وواراب بجنوب السودان التي نزحت إليها مجموعات كبيرة من أفراد قبائل دينكا نقوك بعد الأحداث العسكرية الأخيرة التي شهدتها منطقة أبيي. يكشف حديث محمد عمر الأنصاري والعائدين الذين فضلوا حجب أسمائهم لدواع أمنية لحماية أسرهم وذويهم الذين لا يزالون موجودين في الجنوب من بطش الحركة؛ يكشف عن الأوضاع المعيشية الصعبة والمتردية التي يعيشها أبناء نقوك التي قالوا إنها لم تقتصر على عملية الإقصاء والتهميش التي طالت أبناء المنطقة من قيادات الحركة الشعبية وحكومة الجنوب التي لم يحظوا فيها إلا بمنصب صغير حازه دينق ألور بينما توارت الكثير من الشخصيات من أبناء المنطقة الذين كانوا قابضين على قيادة الحركة حتى باقان أموم صهر دينق مجوك كبير قبائل نقوك الذي كان يشغل حيزاً كبيراً في قيادات الحركة طاله التهميش وتلاشى دوره بل تعدى ذلك إلى رفض المواطنين من القبائل الأصلية خاصة في مناطق بحر الغزال وواراب لأبناء نقوك الذين نزحوا إليهم بعد أحداث أبيي لمنعهم حتى من تشييد أكواخ صغيرة تؤويهم في أطراف المدن والقرى بتلك المناطق من الأمطار ولسعات الحشرات التي تكثر في موسمها بحجة أنهم غرباء عن المنطقة وليس لهم حق الإقامة في منازل أو أكواخ كغيرهم من أبناء المنطقة ما جعل الكثير منهم يتخذون من ظلال الأشجار وبعض المؤسسات والمباني الحكومية المهجورة مأوى لهم. ويذهب هؤلاء العائدون في وصفهم لحالة أبناء دينكا نقوك في الجنوب إلى أن الرفض والإقصاء من قبل السكان المحليين لهم وصل مرحلة منعهم من دفن موتاهم في المنطقة إلا بعد الحصول على تصديق من الكنيسة والزعماء المحليين مع كتابة تعهد بنقل الرفاة عند عودتهم حتى لا يأتي أحد من أحفادهم ويقول إن أجداده مقبورون في هذه الأرض ولهم حق الإقامة فيها فضلاً عن الرسوم التي يلزمون بسدادها عند الدفن كأجرة للأرض ويؤكد محمد عمر الأنصاري والعائدون أن هذه الأوضاع القاسية التي يواجهها أبناء نقوك في الجنوب جعلتهم يعجلون بالقبول بهذا الاتفاق بعد أن تكشفت حقيقة المصير الذي ينتظرهم ويضيف الأنصاري قائلاً: رب ضارة نافعة. في إشارة منه إلى عملية النزوح التي أعقبت أحداث أبيي لأبناء دينكا نقوك إلى الجنوب ليكتشفوا مبكراً حجم الخدعة التي كانت الحركة تجعلهم يعيشون وهي تستغلهم وتغرر بهم للدخول في نزاع مع إخوتهم من المسيرية وتجعلهم وقودا لحربها لضم أبيي التي يطمعون في ثرواتها.. ويشير إلى أن دينكا نقوك بذهابهم إلى الجنوب أصبحوا تحت السيطرة الكاملة للحركة الشعبية التي نزعت عنهم قرارهم في الجلوس مع المسيرية للوصول إلى حل ويؤكد أن في حال ترك الأمر والخيار لهم كقبائل في المنطقة سيتوصلون إلى حل نزاعهم في أقل من أسبوع يتم خلاله لقاء لتصفية النفوس مما علق بها من آثار القتال والتخلص من الأجندة الرسمية. ويمضي الأنصاري بقوله إنهم من طالب بتكوين الإدارية الجديدة لإدارة شؤون المنطقة إلى حين إجراء الاستفتاء الذي أكد أنهم سيقبلون بنتيجته طالما أن المواطنين المستهدفين به هم المسيرية والدينكا.. وأنهم لا يعترضون على انتشار القوات الإثيوبية لمراقبة الأوضاع طالما أن قوات الحركة قد انسحبت جنوب خط عام 56 مع قبولهم بالإدارية التي ستكون مسؤولة عن تسيير أمورها وتضع المعايير لإجراء الاستفتاء وتحديد الناخبين فيه تحت إشراف رئاسةالجمهورية التي تمسك بالقرار النهائي وليس أية جهة سواها. ويضيف الأنصاري أن تكوين الإدارية الجديدة قد قطع مراحل مقدرة بتكوين لجنة إشرافية من أربعة أعضاء كمرجعية لحل المشكلات أو الدفع بها إلى رئاسة الجمهورية لحمسها وسمى أعضاءها وهم من جانب حكومة الشمال عمر سليمان والي جنوب كردفان الأسبق رئيساً لها والعميد يحيى ومن حكومة الجنوب إدوار لينو ودينق وتم الاتفاق على أن تكون رئاسة الإدارية الجديدة لأبيي بالتناوب كل ستة أشهر مؤكداً أن دينكا نقوك قد قبلوا بأن تكون الرئاسة في الفترة الأولى من نصيب المسيرية بعد أن تولاها الدينكا في المرة السابقة واستغلتها الحركة في إشعال المنطقة ويضيف الأنصاري: هذا ما جعلنا نتمسك كمسيرية بتولي الرئاسة في الفترة الأولى للإدارية التي قال إن التوقيع على اتفاقها قد اكتمل وأصبح جاهزاً لإعلانه خلال زيارة سلفاكير للخرطوم نهاية الشهر الحالي كواحد من الأجندة المقرر أن يبحثها مع الرئيس عمر البشير في الخرطوم لا سيما أن ضغوطاً كبيرة يواجهها سلفاكير من أبناء أبيي لطي ملفها وتوقع محمد عمر أن تشهد المنطقة بنهاية موسم الأمطار وتكوين الإدارية موجة عودة عكسية عاتية لأبناء نقوك بعد المعاناة والصعوبات التي واجهوها في الجنوب وأبدى ترحيبه بهم قائلاً: نحن كقيادات للمسيرية نرحب بإخوتنا ونتعهد لهم أن يجدوا كل معاملة طيبة رغم القتال الذي دار مبيناً أنهم مواطنون سودانيون شماليون لهم مالنا وعليهم ما علينا وسنعمل على إزالة الغبن الذي وجدوه في الجنوب بعد أن عزلتهم ورفضتهم قبائله. ويختم بأن أسماء ممثليهم في الإدارية الجديدة جاهزة سيتم الدفع بها لمفوضية أبيي برئاسة الدرديري محمد أحمد لرفعها إلى رئاسة الجمهورية. بينما يرى اللواء فضل برمة ناصر نائب رئيس حزب الأمة القومي وأحد قيادات المسيرية أن خطوة تكوين إدارية جديدة لأبيي توجه صحيح في اتجاه الحل بالطرق السلمية. وتابع: لابد أن يتم الاختيار لأعضائها عبر التراضي واستشارة أهل المنطقة وخاصة القواعد لتقريب الشقة بين المواطنين وأن تكون الشخصيات المختارة ليس على انتمائها السياسي وإنما وفق درجة قبولهم لدى القبيلتين من الملمين بتاريخ وجذور أهل المنطقة حتى يسهم ذلك في تكوين لجان الجودية وإعادة الثقة وحذر برمة في ختام حديثه من اللجوء لاختيار أعضاء الإدارية بطريقة فوقية وفق الانتماءات السياسية ما يؤدي لفشلها وانهيار الاستقرار الذي شهدته المنطقة ويؤدي لعجزها في أداء مهامها ويعقد طرق الوصول لحلول. ويبقى في الختام هل حالة النزوح القسرية التي قام بها أبناء دينكا نقوك لمناطق بحر الغزال وواراب جاءت على طريقة رب ضارة نافعة ليكتشفوا شكل المعاناة والرفض والإقصاء الذي ينتظرهم قبل استفتائهم لصالح الانضمام للجنوب؟ وهل كان اتفاق أديس أبابا طوق نجاة لهم ليتشبثوا به للخروج من مأزق وجدوا أنفسهم فيه قسراً؟ ونختم بالقول إن المجرب ليس كالطبيب.