{ جاء في صحافة الخرطوم أمس السبت 24/9 أن الإحصاءات تكشف عن مقتل (64) تاجراً شمالياً منذ يناير الفائت في ولاية جنوبية واحدة هى أعالي النيل، حسب إفادات صحفية من الرنك، وذلك بعد الحادث الأخير الذي راح ضحيته اثنان من التجار الشماليين بمدينة الرنك ولا يدخل في هذا العدد الضحايا من التجار الشماليين بالولايات الجنوبية الأخرى. { في المقابل ليس هناك اعتداء واحد على مواطن جنوبي سجل بولايات الشمال الخمس عشرة طيلة فترة الاتفاقية وكذلك عقب التصويت للانفصال وقيام دولة الجنوب، ناهيك عن إحصاءات قتل أو نهب أو أي شكل من أشكال الاعتداء، بالرغم من عدم تناسب الأعداد بين الشمالييين والجنوبيين الموجودين بكل من الدولتين والتي قد تصل إلى أكثر من مليون جنوبي ما زالوا موجودين بالشمال ويتمتعون بكافة الحقوق وإن بدأت الترتيبات الرسمية لتوفيق الأوضاع وفقاً لاتفاق نيفاشا. { وكذلك ينطبق الحال على الجوانب الأخرى من القضايا التي ما زالت معلقة أو تلك التى لم تفعل حكومة الجنوب شيئاً تجاهها، وعلى رأس هذه القضايا توفيق أوضاع جنود وضباط الجيش الشعبي من أبناء الشمال ومنحهم حقوقهم، وكذلك الشماليون الذين عملوا في الوظائف المدنية بحكومة الجنوب حتى قيام دولة الجنوب وبالذات أولئك المنضوين لقطاع الشمال وتم توظيفهم في مؤسسات الحكم بجنوب السودان، كما أن هناك أملاكاً وحقوقاً للتجار الشماليين والتي تم تجريدها منهم وقد آلت لكبار ضباط وقيادات الحركة الشعبية ولم يتم توفيق هذه الحقوق، وغير ذلك الكثير مما لا يسع المجال لسردها. { اللافت للنظر أن عرمان وعقار والحلو والقوى السياسية لم تضطلع بواجبها تجاه هذه الحقوق التي هي بالتأكيد تخص مواطنين لا صلة لهم بالحكومة وقد غابت تصريحات هؤلاء تماماً عن أن تساند هؤلاء البسطاء ولو لمرة واحدة، دعك من الضغط على حكومة الجنوب وأنا شخصياً لم أسمع أبداً حديثاً للسيد الصادق المهدي في هذا الصدد ومن المؤكد أنه لم يتطرق لهذا الموضوع في لقاءاته التى امتدت ليومين مع قيادات حكومة الجنوب، بمن فيهم رئيس الحكومة سلفاكير، وكذلك ينطبق الحال على الميرغني ومبارك الفاضل، أما عرمان والحلو وعقار فلن ينال شعب الشمال خيراً منهم. { التجار الشماليون بالرنك يقولون إن المحافظ وراء هذه الهجمات التى يتعرضون لها وأن وراء ذلك هدف يتصل بتنمية تجارته بالتضييق عليهم حتى إجلائهم من الرنك وربما هذه سياسة الحركة الشعبية أو قد تكون سياسة المحافظ في ظل الفساد المستشري في جنوب السودان والتبرير في كل حالات القتل التي تحدث للتجار الشماليين أن المعتدي دائماً مخمور يتم حبسه في وحدته بالجيش الشعبي ثم لا نسمع من بعد ذلك عن محاكمة لهؤلاء المعتدين. { عداء الحركة الشعبية للتجار الشماليين وكل من هو شمالي قديم بسبب التعبئة العنصرية الكثيفة التى ساهمت فيها جهات كثيرة، منها الاستعمار البريطاني وقد أفرد لها سياسة المناطق المغلقة وخدمها بعشرات الأفلام والكتب وكذلك ساهمت فيها الكنائس والحملات التبشيرية، كما أن الحركة الشعبية وقياداتها، بمن فيهم جون قرنق، لعبوا دوراً كبيراً في صنع هذه الهوة التي هى سمة العلاقة بين الشعبين الآن ولم يسلم من تبعات هذه التعبئة حتى ياسر عرمان وقد تعرض لقضم جزء من أذنه بواسطة أحد قيادات الحركة الشعبية الراحل سامسونج كواجي، كما تقول الروايات، وبالرغم من ذلك ظل عرمان وفياً للجنوب وعاقاً لوطنه وقومه. { في مثل هذا الشهر من العام 1983م وفي أول عملية للحركة الشعبية وهي تعلن تمردها تعتدي على تجار شماليين في منطقة (أريات) وتقتل منهم خمسة عشر تاجراً من (شبشة)، منهم عم كاتب هذه السطور الشهيد الطيب المادح وآخرون من أقربائه، منهم ميرغنى أبو القاسم وأربعة أشقاء وشباب لم يفلت من مكر هؤلاء إلا طفل واحد هو الآن يتجاوز الأربعين عاماً، لهم الرحمة جميعاً والقبول. { كتبنا قبل ذلك عن هؤلاء الشهداء ولكن نأمل في إجراء إحصاء دقيق يوثق لهذا المكر السيىء القادم من الجنوب وفي مدينتنا مجموعة أخرى من الشهداء بدأ صعودهم في ستينات القرن الماضي، وهؤلاء التجار هم ضحايا الحرب والسياسة، تنزع منهم أملاكهم وهم أحياء وتزهق أرواحهم وهم شهداء.