والحقيقة التي نرغب أن نبلغها آخر السكة؛ تصبح أحياناً كثيرة هي مجرد حلم، يبقيك متسمراً أمام مقعدك وشاشتك حياً تسترزق من أفواه المذيعين والمذيعات، هواءً عليلاً يقيك كتمة النفس، يمنحك نعمة استمرار الحلم بقول الحقيقة كاملة. كامنة حقائق الموضوعات في الحياة السودانية تحت خط المسكوت عنه دائماً، مهما بلغت القضية من تعميم ومهما كانت بعيدة عن الممنوع الأخلاقي والديني والاجتماعي والسياسي، فنحن أمة تخجل من العلن، ونسمع الحقيقة على أنها (شكلة) ونشاهد العوج ونجتنب الجهر به عملاً بأمر الستر! لهذا حينما يخرج برنامج كما (المحطة الوسطى) على قناة ملتزمة إلى حدٍّ ما ومتاحة لها الممنوعات الى حدٍّ ما - برضو - كما (الشروق) نتوقع أن تتخذ المحاور للقضايا المناقشة فيه كل مساء، مناحي أفتح من المواربة، وطرقاً أقرب من الملاطفة. فاللطف الجميل في شخصية المذيعة المتطورة (نسرين سوركتي) يطغى أحايين كثيرة على قوة الموضوع، وربما هو أمر لا دخل لها فيه باعتبار أنها هكذا شخصيتها، فالمحاور تسمعها على أنها يجب أن تقال بشكل أشدّ وقعاً مما تراه على سمعك، وتشاهد الإجابة محرجة للحقيقة لكنك مشاهد تستمع ولا تستمتع بما تراه، وتتوقع التالي من محور القول والمحطات الخارجية، فتعرف أن المونتاج عمل عليها كثيراً للدواعي السلمية والإعلامية! والإقحام غير المبرر لفقرة الأستاذ الأديب والإعلامي (فتح العليم) اللطيفة لحد الظرف، باجتهاد أن نراه حكيماً للحلقة ومترفقاً بالضيف. إلا أنه يصبح ملطِّفاً للهواء فيزيدنا طيباً على الهواء البارد الذي نشربه يومياً وعلناً على أنه هو الحقيقة مجردة الشفافية والشفّافة! الشفّ الإعلامي للبرامج من القنوات الخارجية أو الأفكار الداخلية، وتكرارها كل قناة بحسب مقدرة إنتاجها وسرعة بديهة فريق إعدادها هي سنّة عالمية تحدث في أرقى القنوات وأكبرها إنتاجاً دون الخجل من القول إنه نسخة مكررة من برنامج أجنبي أو عالمي. والصراع الذي يدور منذ نزول (المحطة الوسطى) حول التسمية فقط بين ثلاث جهات اعتبارية وفردية، يجعلك تشعر بنشوة نجاح برنامج على فضائية سودانية - لا تدخل نجاحات برامج الأستاذ (الطاهر حسن التوم) في الحسبة - لكنه أيضاً لا يقلل من أنه كبرنامج ذي لمسات مكررة من برامج أخرى عربية بشكل أقل في التكلفة والحرفة ولن أقول العرفة! ففريق الإعداد والإنتاج للبرنامج يضم صحفيين ومعدين يقدرون على التعامل مع الحقيقة الإعلامية (من أين تؤكل كتف المشاهد) بالاختلاف في الموضوع والدهشة في محاور القول ولا شك الضيف. أضف إلى كل ذلك، أن القدرة على إنتاج برنامج قضايا في هذا الوقت من الزمن السوداني المتغير وفي فضائية معروفة بسياستها كإخبارية حكومية - في محاولة لسياسة برامجية جديدة - هو رصيد جيد بأنهم كفريق قناة استطاعوا إجلاس موضوعات مختلفة تهم الناس بشكل أو بآخر؛ الزراعة وجمعية حماية المستهلك ومكاتب الزواج - كنماذج لا حصرا - خاصة أن الوضع الاجتماعي بحاجة إلى تنفيس قليل من الساخن في صدور الشعب، والبرنامج يمثل جزءا من أجوبة لأسئلة مشروعة داخل أذهان الناس. فالناس ملّوا الأحاديث والأقاويل من كثر ما هي ثرثرة دونما فعل يحرّك ساكن التكرار فيها، واختنقوا براكد هواء البث الفضائي الذي لم يضف لتوعيتنا وثقافتنا وسياستنا ولا ترفيهنا شيئا، لدرجة إصابة الإعلام السوداني بذات الرئة وتوقفه عن التنفس رغم كافة محاولات الجيوب الفضائية التي تعدت الثماني قنوات ويزيد. ورغم أنه هو الذي فتح وما زال يفتح خياشيم الإذاعات العالمية والإقليمية بأوكسجين متجدد ونقي من مخرجين ومنتجين ومذيعين. لذا بإمكان (المحطة الوسطى) أن يصبح وجهة وصولنا للحقائق إذا التزم القائمون عليه المشي بسلامة الحقيقة والوعي والموضوعية، فما أسهل على المشاهد قول (أنا نازل) بضغطة زر!