ظهر أمس أسدل الستار بقاعة الصداقة على آخر فصول مسرحية الوحدة الاتحادية التي صارت ملازمة بحكم الضرورة لأي حديث عن حزب الحركة الوطنية الذي أرهقته السنين وفصائله على كثرتها تتشظى يوم بعد يوم بمتوالية عددية مدهشة، ومن ثم يتشظى أي فصيل على حدة بمتوالية هندسية متوقعة، وهو ما أكده فعلاً لا قولاً توقيع الأمين العام للاتحادي الديمقراطي د. جلال الدقير وزعيم تيار الإصلاح المنشق عن الحزب الاتحادي الأصل أحمد علي أبوبكر، وهما يوقعان على اتفاق سياسي لوحدة حزب الاستقلال . (1) الاتفاق السياسي نص على وحدة الحركة الاتحادية تحت المسمى التاريخي (الاتحادي الديمقراطي) وإعادة بنائه على أساس الحرية والممارسة الديمقراطية في اختيار القيادة، مع استيعاب كل الفصائل التي تؤمن بالمؤسسية، فضلاً عن مشاركة مجموعة الإصلاح بمؤسسات الحزب بالمركز الولايات، على أن تضمن نصوص الاتفاق - الذي تلاه على الحضور د. الباقر عبد الله - في مواثيق الحزب الأساسية. ووسط هتافات التمجيد ابتدر أبوبكر خطابه بتحية أرواح الآباء المؤسسين وعلى رأسهم السيد علي الميرغني، ربما إمعانا في وضع حد فاصل ومرن لقطيعته مع نجله محمد عثمان الميرغني، ليعرج للبقية، وحناجر الحضور تبح وهو يبعث بدعواته للزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وبقية العقد الفريد، وهو ينقب في مآثرهم، ليدلف بعد ذلك لمتن خطابه الذي ذكّر فيه جموع الاتحاديين في مشارق الأرض ومغاربها بأن مشوار الوحدة يحتاج لتضحيات نظير العقبات التي تعترضه، داعياً من سماهم الاتحاديين الواقفين على السياج إلى الالتفاف حول الحزب لبنائه، معتبراً الاهتمام بقطاعات الطلاب والشباب والمرأة والمهنيين والعمال والمزارعين، أولى خطوات البناء، لكونها عماد الحزب، وأضاف أن مجموعته لم تأت للتوقيع على الاتفاق من المنازل بل من ساحات النضال والكفاح والمعسكرات والسجون، وأن وحدة الحزب هي صمام أمان البلاد بعد انفصال الجنوب وتصعيد الحرب بالأطراف، لينهي خطابه وهو يستلهم من الشعر: سنظل نحفر في الجدار فإما فتحنا ثلة للضوء أو متنا على خط الجدار. (2) ورغم الاستقبال الكبير الذي حظي به أبوبكر، إلا أن الدقير كان الأوفر حظاً وأنصاره يرددون (سير سير يا الدقير)، وهو يقلب في أوراق كلمته المسودة بكل ما أوتي من بلاغة غطت بعض الشئ على بعض مفرداته التي تشي بشيء من الخلاف وتعزز ما أشيع عن سبب تأجيل يوم التوقيع غير مرة على مدار الأسبوعيين الماضيين، وهو ماهية الخطوة إن كانت انضماماً للحزب أو وحدة، ليحسم الدقير الأمر بقوله: حتى لا نلقي القول على عواهنه نصوب مقالة سرت في صحائف الإعلام، ونقول إن المناسبة ليست انضماماً من نفر كريم للاتحادي الديمقراطي، بل عودة استعصمت بالتنائي زماناً فطال انتظارها والشوق إليها. وأضاف الدقير - والغبطة تكسو ملامح وجهه - أن التوقيع على الاتفاق يمثل فرحة البيت الكبير بعودة الأحرار الذين ستسعهم القلوب قبل الكراسي بوصفهم مالكي شهادة بحث الحزب منذ لحظة التوقيع التي وصفها بالتاريخية، معززاً وصفه بالتأكيد على رفضه لأي حديث عن قدامى وقادمين، داعياً إلى طريق ثالث لحل أزمات البلاد بالفكر والحجة، يطابق مبادرة الحوار الوطني لمواجهة المخططات الاستعمارية التي قال إنها تستهدف أمن البلاد وإستقرارها . (3) وثمة مفارقة شهدتها مراسم التوقيع، وهي الاختلاف حول تعريف المناسبة التي جاءت في ديباجة خطاب أبوبكر الذي وزعت نسخته على ممثلي الوسائط الإعلامية على أنها (حفل توقيع الاتفاق السياسي لوحدة الحركة الاتحادية)، بينما كانت خلفية المنصة ورقاع الدعوة التي وزعها مكتب الإعلام بحزب الدقير على أنها (حفل توقيع الاتفاق السياسي لوحدة الحزب الاتحادي الديمقراطي)، وهي خلفية مستمدة من توصيف الدقير بأن الأمر هو عودة الأحرار الأبرار للبيت الكبير. وربما كان توصيف الدقير يطابق ما يشيعه أنصار الميرغني بضعف مجموعة الإصلاح وعدم تمتعها بأي سند جماهيري، وأن قادة المجوعة الأربعة وهم بجانب أبوبكر، حسن هلال، الباقر عبد الله وسيد هارون، ليسوا سوى مهرولين للمشاركة في الحكومة، وهو ما تجلى لهم في حزب الدقير، وهو اتهام ما فتئت المجموعة تتبرأ منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وإن كانت ثمة قضية لا تحتمل الجدل فهي أن ما شهدته قاعة الصداقة - طبقاً لعموم الاتحاديين - لم يرق لمستوى الوحدة، إذ لا معنى لخروج مجموعة من فصيل وانضمامها لآخر، وعدد الفصائل عند عددها القديم الذي يتمنع على (القسمة) ويراود (الضرب)، وحزب الحركة الوطنية لا يزال عند قدره الأزلي مفرداً بصيغة الجمع.