ما هي المعايير التي يتم بموجبها اختيار الوزراء والولاة والمعتمدين والوزراء الولائيين... والخ؟ والأرجح أنه ليست هناك معايير ثابتة، وينطبق ذلك على السودان وعلى غيره من دول العالم، لكن الأرجح أيضاً أن هناك حداً أدنى من هذه المعايير لابد من توافرها. ومن الممكن أن يكون ما قلناه ليس صحيحاً، فنحن من أكثر الناس بُعداً عن دهاليز السلطة وأروقة الحكم العليا وما يجري فيها. ويتفق الناس على اختلاف توجُّهاتهم السياسية على أن هناك ترهُّلاً وزاريا،ً ونسبة للظرف المالي الاقتصادي الدقيق فإنه يجب تحجيم هذا الترهُّل الوزاري ونتفق مع من قالوا إنه حتى إذا ما كان تحجيم الترهُّل الوزاري لا يحقق تحسُّناً ملموساً في الجانب المالي الاقتصادي العام، فإنه يُعدُّ رسالة بأن الدولة في أعلى مستوياتها راغبة في تسهيل حياة الناس العاديين وتقليص مكابداتهم اليومية مع أبسط احتياجات المعيشية. ولنا رأي قديم لا بأس من تكراره حول الحكومات الولائية ومنه أن يكون إلى جانب الوالي عدد محدود جداً من ذوي الخبرة التنفيذية الإدارية يُسمون مساعدين أو سكرتيرين وأن يقتصر منصب الوزير على كبار التنفيذيين في الحكومة المركزية بالخرطوم، وأن يُقلل عدد الولايات إن أمكن. وعدد وزراء الدولة والمستشارين. ويجب أن نفتش عن حل لظاهرة الاحتراف السياسي، فليس من مصلحة الوطن أن نسمح باستمرار ذلك الجيش الجرار من السياسيين المحترفين الذين لا يعملون إلا وزراء أو معارضين، فلابد أن يتمسك السياسي بمهنته الأصلية ثم يعود إليها عند إقالته أو استقالته، وبالانغماس فيها والإخلاص لها وإطعام نفسه وأهله من دخلها الحلال يعاشر السياسة مستهدفاً تحقيق طموحاته فيها. إن خدمة الأوطان لا تتم فقط بالعمل في مجلس الوزراء، وصحيح أن الوزارة تتيح لشاغلها فرصاً أوسع في تنفيذ ما يرى أنه يخدم الوطن بشرط أن يكون هو من الوزراء المؤثرين القادرين على إقناع المجلس بجدول ما ينتوي تنفيذه. وهناك من خدموا أوطانهم بمنتهى الكفاءة والتفاني والإخلاص ولم يكونوا وزراء. ومن المشكلات في السودان وربما في كثير من الأقطار أن البعض يرون أنهم لابد أن يكونوا وزراء، ولأجل ذلك فإنهم يفعلون الكثير مما لا يصب في صالح كبريائهم وسمعتهم. ونروي حكاية للمرة العاشرة، فقد كان هناك قطب سياسي في حزب كبير حكم البلد أكثر من مرة، وكان مقرّباً من زعيم الحزب وفي نفس الوقت فإن التعديلات والتشكيلات الوزارية الكثيرة كانت تتخطاه ثم سقطت الأحزاب وجاء المايويون عام 69 وتقدم العمر، فطلب مقابلة الرئيس نميري (وبالعربي الواضح) ناشد الرئيس بأن يعيِّنه وزيراً، ورفض نميري فما كان من القطب السياسي الشهير إلا أن استعطف الرئيس نميري راجياً ملحاً أن يعينه وزيراً في نشرة ثلاثة ثم يقيله في نشرة تسعة!!. وتخيل أن هناك كثيرين تقدموا بمثل طلب السياسي المشهور في كل العهود.