رحيل الزعيم الليبي على نحو ما تناقلته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أعقبته ردود أفعال محلية وإقليمية وعالمية واسعة لم تشذ عن قاعدة أن الرجل كان طاغية وحكم الشعب الليبي بقبضة من حديد. الأمين العام للأمم المتحدة؛ بان كي مون، قال إن مقتل القذافي يوم تاريخي للشعب الليبي، وأشار رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني الذي طرح نفسه صديقاً للقذافي حتى وقت قريب؛ أشار إلى أن أسر «الهارب» يمثل نهاية الحرب في ليبيا. في الخرطوم، كانت قيادات المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم، قد أطلقت تصريحاتها المتفائلة بانصلاح حال العلاقة مع طرابلس برحيل معمر القذافي. تصريحات كانت قد سبقتها تأكيدات متبادلة قبل مصرع القذافي من قيادات الحزب الحاكم والمجلس الوطني الانتقالي الليبي بإشراك الحكومة في عمليات دعم ومساندة لثوار ليبيا لجهة التعجيل برحيل نظام القذافي. وحملت تصريحات قيادات المؤتمر الوطني بما فيها رئيس الحزب، رئيس الجمهورية، المشير البشير، ونائبه الأول الأستاذ علي عثمان محمد طه، تأكيدات واضحة بتحميل نظام القذافي مسؤولية تأجيج الصراع في دارفور ونسف استقرار المنطقة. وبعكس تمنيات قيادات الحزب الحاكم بأن الانقلاب على نظام العقيد القذافي سينصب برداً وسلاما ً على النظام القائم ونجاحه في تقليم أظافر حركات دارفور المتمردة على السلطة بما فيها حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم، الذي فضل مغادرة الجماهيرية الليبية والعودة إلى إقليم دارفور على خلفية اشتداد ضربات الثوار الليبيين على معاقل جيوش الرئيس الليبي. بعكس تلك التمنيات، فإن القوى السياسية المعارضة كانت تنظر لما يجري في ليبيا من منظار غير الذي نظرت من خلاله قيادات المؤمر الوطني، فحزب المؤتمر الشعبي المعارض بقيادة د. حسن عبد الله الترابي، بدا متفائلاً بمصير الحركات الإسلامية في المنطقة بعيد رحيل نظام العقيد القذافي الذي تطارده الاتهامات باستهداف الإسلاميين داخل ليبيا وعلى نطاق إقليمها. لكن المؤتمر الشعبي قلل من تأثير التغيير في ليبيا على مسار العلاقة بين الخرطوموطرابلس في مقبل الأيام، فالمسؤول السياسي للحزب لم يستبعد أن يكون هناك تأثير إيجابي على العلاقة بين ليبيا والسودان لكنه قال إنه تأثير وقتي سرعان ما يتغير إلى الضد، مشيراً إلى أن حركة التغيير الحالية في ليبيا تعلم أن نظام الخرطوم القائم كانت له تحالفات مع نظام العقيد معمر. وقال كمال عمر ل (الأهرام اليوم) إن ما حدث في مصلحة الشعب السوداني وليس النظام القائم وربما كان له تأثير سلبي على وجود حركات دارفور بما فيها حركة العدل والمساواة لكنه سيكون تأثير مؤقت، ونبه إلى أن قيادات التغيير في ليبيا ستدرك بعد قليل أن نظام الخرطوم ليس أقل سوءاً من نظام القذافي الذي أشار إلى أن نهايته أعطتهم دفعة للحاق بالتغيير. ولفت عمر إلى أن المعارضة ستسعى لتطوير علاقتها مع العهد الجديد في ليبيا لصالح ثورتهم القادمة ضد (نظام المؤتمر الوطني). عضو تحالف القوى المعارض، الناطق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي محمد ضياء الدين، اعتبر مقتل القذافي إعلاناً لانتهاء مرحلة وبداية لأخرى جديدة، أشار إلى أنها تتطلب من الثوار النظر إلى واقع جديد بمطلوبات جديدة لتصحيح مسار الثورة التي قال إن القوى الأجنبية لعبت دوراً كبيراً في حسم الصراع لصالح الثوار. وطالب ضياء الدين قيادة الثورة في بادئة مهامهم للمرحلة المقبلة بإبعاد كافة الأطراف التي استقوت بالقوى الأجنبية، وقال في حديثه ل (الأهرام اليوم) إن الثورة بحاجة إلى تصحيح حقيقي للتعبير عن إرادة الشعب الليبي وتحافظ على استقلال ليبيا وإبعاد العناصر التي فتحت الباب أمام التدخل الأجنبي. ورأى ضياء الدين أن مسار العلاقة بين طرابلسوالخرطوم في قادمات الأيام رهين بما يحدث من تطورات على الصعيد الليبي، وقال: إذا استطاع الشعب الليبي أن يصحح مسار الثورة سيفتح الباب لعلاقة إيجابية مع المنطقة والخرطوم وستحجم من دور حركات دارفور ونشاطها في زعزعة استقرار المنطقة. ولكن الناطق باسم البعث العربي الاشتراكي محمد ضياء الدين، حذر من خطورة أن تسيطر القوى المحسوبة على القوى الأجنبية على زمام الأمر في ليبيا، وقال إن ذلك سيترك أثراً سلبياً في المنطقة وعلاقة طرابلسبالخرطوم، وأضاف عندها ستصبح ليبيا نقطة انطلاق وقاعدة دولية للتدخل في الشأن العربي والأفريقي وزعزعة استقرار المنطقة، مشيراً إلى أن الأمر مدعاة لاستغلال القوى الأجنبية لحركات دارفور بما فيها حركة العدل والمساواة ككرت ضغط على الخرطوم، وقال: ستكون العدل والمساواة كرت ضغط في يد الأجنبي ضد الخرطوم. القيادي بالحزب الاتحادي الأصل؛ د. أبو الحسن فرح، رأى صعوبة التكهن بسير الأوضاع في المرحلة المقبلة. ورغم إشاراته إلى أن الحكم على الأوضاع في ليبيا يتطلب حدوث استقرار للثورة إلا أنه أكد أن اختفاء نظام القذافي أخذ شيئاً من دعم حركات دارفور. وقال أبو الحسن ل (الأهرام اليوم): من الصعوبة الحكم الآن على مستقبل العلاقة بين طرابلسوالخرطوم من جهة والنظام الليبي وحركات دارفور من جهة أخرى، وأضاف من المبكر أن تحكم إلا بعد تكامل الرؤية، مبدياً تخوفه من مصير كميات الأسلحة التي قال إنها انتشرت، مشيراً أن العدل والمساواة فقدت الكثير بعد رحيل القذافي لكنه قال، يجب ألا ننظر إلى ما يحدث في ليبيا كأنه حل لدارفور، ونبه إلى أن حل مشكلة دارفور (في الداخل) وعبر الحوار مع كل الفصائل.