{ كانت قمة الحلم في ما مضى أن تصبح طبيباً، ما خرجت زغرودة من منزل من المنازل أعمق من زغرودة من تخرج له أحد من كلية طب، فالقرية عن بكرة أبيها لا يعرف لها وصفاً سوى «بي بيت الدكتور». { الآن أصبح الطب معاناة تقتل حلم كل خريج إلا من رحم ربي، وأوجه الرحمة ثلاثة: إما أن تكون ثرياً بالفطرة، أو أن تمتص دم «الغلابة» بعيادة ما، أو أن تكون ذكياً إلى الحد الذي يكفي لاستقطابك لإحدى الدول الأخرى لتستفيد مادياً، ويستفيد المرضى هنالك كلياً، ويتدمر وطنك جزئياً، أو أن تظل كما أنت طبيباً «يركب المواصلات» ويمشي في الأسواق ويكابد من أجل لقمة العيش، فلمَ لا يكون الطبيب مهموماً؟ ولمَ لا يحبط؟ ولمَ لا ينسى مقصاً أو مشرطاً وهو الأعلى نسبة والأول على أنداده وها هو يختال فخراً بشهادته و«يبيت القوى»؟؟! { الأطباء: إنهم عالم من الإنسانية تحفه المصاعب من كل اتجاه، عميق ما أحدثه الزمن في قلوبهم من جراح، وليتهم يجدون منهجاً يعلمهم كيف يضمدون جراحهم حتى لا تنطبق عليهم مقولة «النجار بابو مخلَّع». { نافذة على القلب: حتى وقت قريب كنت أفرح جداً حينما أرى طبيباً يتحدث إلى شخص ما، لأن هذا على غير العادة! وأقول في نفسي: «يا ربي الدكاترة ديل بضحكو وبتونسو زينا كدي عادي!!؟» ربما هي قدسية تليق بهذه المهنة. { نافذة على الشارع: ضحكت حتى البكاء وأنا أتجاذب أطراف الحديث مع د. عبد المنعم أبو محمد، وهو يروي بعض الطرائف التي مرت به وهو يمارس الطب في إحدى القرى النائية فقال: «والله عندنا مواقف بتبكيك عديل»، فقاطعته: «زي شنو؟» فحلق بعيداً وكأنما سيأخذ قصته من الفضاء الطلق ورد مبتسماً: «مرة جاني واحد عيان مرة واحدة، بعد ما شخصنا ليو وأدينا العلاج تب، قتلو حبة بعد الفطور، وحبه بعد الغدا، وحبة بعد العشا»، الراجل ضحك لمن قعد وقال لي: «خلو العشا حرم أنا فطور ما حاريهو»، كان الله في عونك أيها المواطن البسيط وأغناكم الله أيها الأطباء. { خلف نافذة مغلقة: أيقنت أنك وحدك الطب الذي ما ارتاده الطلاب غيري لا ستدركه القصائد لا ستنجب مثله الاقدار لا ستموت في يده مئات المفردات.