ليس غريباً أن تخصص حكومة ولاية كسلا أسبوعاً بلياليه لتروج فيه للمناطق السياحية الموجودة على أرضها، إنما سيكون غريباً إن لم تفعل ذلك. فالولاية التي حباها تكوينها الطبوغرافي جبالاً ملساء مدهشة التكوين، ونهراً متمرداً يثور كما لو أنه يتباهى بمائه العكر، حق لها أن تقول للعالم إنها هنا، دليل ملموس على أن بالسودان جمال طبيعي جدير بأن يزار، وقمين بالوقوف عنده، بل هي ولاية أحق بأن يمد لها المستثمرون أعناقهم، ففيها مليارات الحيل الاستثمارية الناجحة، بدءاً من أراضيها الخصبة، وليس انتهاءً بموقعها الجغرافي، وهي بذلك وبغيره لا تفتري إن طرحت نفسها لتكون (شرم الشيخ) في نسخة سودانية، وإن كنت مستعداً للتحلل من رهق الدنيا بالاستجمام، فأجدر بك أان تلحق نفسك بأول وسيلة سفر لتحط في مدينة كسلا وهي تهدي لزوارها وساكنيها مهرجاناً للسياحة تمتد أيامه لتبلغ شهرين كاملين حتى مطلع العام الجديد 2012م، وفرت فيه عروضاً للتراث، وللموسيقى البجاوية، وطقوساً للزواج عند قبيلتي الحباب والشكرية، فضلاً عن الرقص الفولاني الذي تؤديه صبايا كواعب على أنغام (الوازا) و(الباسنكوت)، دخلن به منذ بدء التاريخ في تبارٍ محموم مع من قال فيها صلاح أحمد إبراهيم: يا خصرها، يا عودها الفارع، يا لثعتها الظريفة يا نهدها استقل. كاد أن يُطل من ثيابها الرّهيفة وهى تضوع بالشذى، تموع كالقطيفة. فكن بالحق والحقيقة القطرة التي جعلت كأس الجمال طافحاً، وحتمت على علماء (الاستاطيقا) إعادة تعريف الجمال مجدداً. هي كسلا.. ديار (الفزي ووزي) الذين عناهم الشاعر الإنجليزي كبلنج: تعاركنا، كانت لنا صولات حربٍ جمّة عبر البحار مع الكثير من الرجال، منهم الشّجاع والجبان مع البِيتان والزولو والبورميين فكان أروع المقاتلين ذلك المغوار الأجعد اللِّيفي الشعر (الفزي وزي) فقد عجزنا أن نفتَّ في صموده إذ كان رابضاً لنا يندس في سواتر الأشجار ليعقر الخيول منّا بغتةً ويستبيح ساحة الحرّاس في سواكن المحصنة يعابث الجنود مثل قطةٍ تداعب الأوتار. وما زال (الفزي وزي) هم هم، في أجمل لباس تخترعه البداوة؛ (الثوب والسروال، والسيف والشوتال، والشعر المغوف الوديك والخُلال، وعُلبة التنباك. أو كما قال صلاح). وعندما تصل إلى كسلا فإنك تكون مثاراً، ولن تفكر طويلاً في أي الفنادق ستنزل، فالشوارع والسواقي لا محالة تستصرخك لتمشيها، كما لو أنها كانت تزين نفسها لتلقاك، تريد أن تهرع لتراها كلها في ساعة من الزمن. وفي تلك الساعة تتركز مغامرات أحلامك كلها. وهل ثمة ما هو أبهج من مشاهد المباني التي تبدو كالكهوف من تحت الجبال أو ما هو أمتع من الوجوه الكسلاوية المليحة. هل كسلا مدينة كبيرة؟ نعم.. كبيرة جداً، ففيها أربع غابات سياحية ونهر صاخب، وعشرة فنادق أو أربعة ملاهٍ و ثلاث فرق مسرحية. وإن كنت تحتاج للمزيد من الأرشادات والمعلومات فدونك الشابة حفيدة (أوشيك)؛ هويدا عثمان صديق، التي تشغل مديرة إدارة السياحة بكسلا، وهي تقول: إن مدينة كسلا تمتاز بالعديد من الخدمات السياحية من فنادق ونزل سياحية ومنتزهات، وقد تم مؤخراً افتتاح الطريق القاري الذي يربط السودان بأريتريا -26- كيلو متراً، وسيؤدي بحسب هويدا، لفتح آفاق جديدة في تبادل الخبرات السياحية بين البلدين. لكن زميلاً لهويدا هو خالد أحمد البشير يبدي قلقاً طفيفاً على ما لاحظه من تزايد أعداد العرسان السودانيين المغادرين إلى العاصمة الأريترية أسمرا، ويعتبره مؤشراً خطيراً ذا تأثير على حركة السياحة في كسلا. أما لهواة المال والأعمال فإن ولاية كسلا تمتلك موارد اقتصادية غير مستغلة، من أراض زراعية ومسطحات مائية وجوفية، أعظمها على الإطلاق نهر القاش الذي يختص بأنه لا يصب في رافد رئيسي ولا بحر أو محيط أو بحيرة أو أي مسطح مائي، بل تندلق مياهه في سهول رملية ليكون مستنقعاً في شكل دلتا سميت دلتا القاش، ويستقبل حوضه كميات كبيرة من الأمطار ينتج عنها حوالي 3 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً تشكل فيضانات جامحة تهدد المدينة والقرى التي حوله، لكن مع ذلك فإنه يهديها عدداً من الساقيات والبساتين التي يطلق عليها محلياً اسم الجنائن. وتتنوع الطبيعة العذراء في كسلا، وتتغير مشاهد الطبيعة من سهول إلى جبال وغابات لم يتدخل فيها إنسان القرن العشرين بصنعة، مثل غابات (تمنتاي)، (البان جديد)، (ود شريفي) و(الرميلة) التي تصلح للصيد والتجديف، حال كونها محاطة ببحيرة خزان (خشم القربة). أما في منطقة (أوتيلا) التي تقع في تقاطع جبال التاكا مع نهر القاش فتختبئ مئات الكهوف التي لم يكشف عنها حتى الآن. تقول هويدا وهي تتحدث بفرح للصحافيين الذين حضروا افتتاح مهرجان السياحة الثاني: لن أكون بالدقة كلها إذا قلت إن عائدات السياحة تقل عن (24) مليون جنيه بدلاً عن (18) مليون جنيه في العام الماضي، وأضافت في ثقة: «أنا مطمئنة إلى أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في الإقبال على السياحة في كسلا).