} أخيرا هبط إلى سفحه ومقامه وأدرك حتى العوام سوآته وضلاله وسوء مخبئه بعد أن أنفق سنوات من النفاق يتجمّل ويركن إلى رجل صدّيق يقوده بمهارة نادرة إلى جمال مزعوم ونقاء مسكوب ومثقوب وما أسهل في زماننا هذا أن يصنع الرجل منا صورته التي يريدها ولوحته التي يرسمها بمداده وألوانه وإن جانبت كل حقيقة ولكن مهما طال السفر فإن الحقيقة سوف يتداركها الناس ولو بعد حين. } العودة إلى السفح بعد صعود غير مستحق تطلق يد العائد ليعبث أكثر مما كان عليه عبثه القديم تسعفه أمواله التي اقترفها بغير وجه حق وخبراته التي اكتسبها ومهاراته الجديدة والمتجددة وأخطاؤه الفادحة التي كشفت قبحه وبطانته التي سارت به بليل بعيدا عن فطرته ورفاق دربه الأول حتى أطبقت عليه بطانته مثل الذئاب تحمله قسرا وطوعا ليدوس على كل قيمة. } بكى أحد رفاق دربه الأول حين أدركته تفاصيل خطيرة تلتقطها أذنه دون أن تسترق السمع أو تسعى إليه وقد عجز عن نصحه وإدراكه أكثر من مرة وتباعدت الخطى ومضى بعيدا يحول بينهما موج وزمان يخطف حتى الكبار ويحيلهم إلى صغار يتصرفون بلا وعي ويتواضعون في مقام الكبرياء والانتصار إلى القيم الكبيرة. } بدأت بطانة السوء تنصرف عن نجمها الأول منذ الساعة الأولى التي شهدت ترجله ورحيله عن عالم السلطة والجاه وحتى هذا الانصراف يتصاعد بوتيرة تراجع أمواله حتى انقطع عنه آخر رجل من بطانته وسدنته مع آخر (جنيه) أفلت بعد عسر ورويدا رويدا طفقت بطانة السوء تستثمر في أسرار الرجل بثمن بخس وهي تتسلح بمواجهة لئيمة مع صاحب الفضل عليها وهي تصفعه بكلمات جارحات وقاسيات وتهدده بما هو أنكى وأفظع فيطرق الرجل في ذل وهوان ثم يتوارى منسحبا وسط صراخ تتصاعد وتيرته يخرج من هذه الأفواه التي اعتادت جرح كبرياء الناس والضغط عليهم كلما أحست بضعف يتسلل إلى ضحاياها. } بعد هذه المواجهة التي لم يتوقعها يحمل الرجل أثقل خطوات خطاها في حياته وأطبق عليه أسف لم يعتده من قبل ودنت منه أفكار يتردد صداها بعنف وتشابكت رجلاه فحبست خطاه عن المشي فسقط مغشيا عليه يحبس أنفاسه وبصره ونبضه لساعة كاملة وقد بدأ يفيق ويستعيد مأساته ولوعته وعاقبة أمره فينجح هذه المرة في استدراج قدرته وطاقة البكاء التي افتقدها لأعوام فبكى طويلا وفاضت أدمعه تبلل جسده الهزيل وتغسل روحه وتبعث فيه بريق ما قبل السقوط المدوي فيحس بنعمة البكاء ونعمة الدموع وتعود إليه فطرته التي ألفها الناس فيه، ورفاقه فيه، وأهل بيته فيه وقد أغفلتها بطانته منذ أن سبحت به عكس تيار فطرته ومبادئه ورفاقه. } انقطع الرجل لعام حتى نسيته بطانته وعلى النقيض من هؤلاء نسيه رفاق دربه الأول وعجزوا عن استعادته قبل أن تنقطع سيرته من أفواه الناس ووجد هو في هذا الانقطاع راحة وأملا وبدأ يتطهر بفقر مدقع وحاجة يصبر عليها حتى يأتيه فرج لا يحتسبه وقد وجد بجانبه زوجة تعينه وتأخذ بيده إلى ماضيه البعيد وتتجاوز به كل سقطاته وسيرته مع بطانة السوء. } أفلحت الزوجة الصالحة وأبناؤها في غسل سنوات السقوط والعودة بالرجل من حياة السفح إلى قمة جديدة من قمم الالتزام وبدأ يتصالح مع نفسه وبدأ رفاق الأمس الجميل يعودون واحدا بعد واحد حتى اكتمل عقدهم والتفت أرواحهم وتلاقت وتناصرت في فعل الخيرات وزهدت في عرض الدنيا الزائل وهي ترضى بالقليل وبركته وتصبر على الحرمان وتسعد به وتمضي في سلام وحب. } استقر الرجل على حال آخر لم يعهده من قبل وانفتحت عليه سعادة غيّرت حياته رأسا على عقب، يسعد ببيته وأبنائه والقليل من كل شيء.