كان المهندس الصافي جعفر، الأمين العام للمجلس القومي للذكر والذاكرين، المدير العام السابق لمشروع سندس الزراعي، كان يزعم دائماً بأن كثافة الأضواء الإعلامية المسلطة دائماً على مشروع سندس الزراعي ناتجة عن كون الرجل الصافي جعفر، المهندس الشاعر الشيخ الكادر الإسلامي، هو مدير هذا المشروع، وقال مرات عديدة إن معظم الذين (يكجنون الإنقاذ) يصبون جام غضبهم ويفرغون مراراتهم على (حائط مبكى) سندس دونما ينظرون بعقلانية إلى الظروف التي صاحبت إنشاء هذا المشروع والمسوغات التي نهض عليها، وللذين يقرأون بتطرف أنا هنا لست بصدد إعادة إنتاج تلك المرافعات بقدر ما أتساءل: أين ذهبت تلك الحملات الإعلامية الباهظة بعد رحيل الرجل عن المشروع، لما كان الرجل الصافي يدير هذا المشروع، تكاد لا تخلو صحيفة يومية محترمة من مقال يرجم الرجل ومشروعه بل «ومشروعيته»، ونكاد الآن لا نقرأ إلا مقالات خجولة متفرقة بعد الحين والآخر، علماً بأن شيئاً جديداً لم يطرأ على هذا المشروع الذي يرأس مجلس إدارته السيد الوالي عبدالرحمن الخضر بحكم منصبه، وقد أصلح، صاحب هذه الملاذات، كشاهد عيان على مراحل بناء هذا المشروع الذي صاحبته كثير من العقبات الكؤود، ومن المفارقات التي قيّدت انطلاقة هذا المشروع هو أن الأرض يمتلكها المزارعون الذين يطلق عليهم اسم الملاك وهم في الغالب خارج السودان وقد اشتروا هذه المزارع إبان مواسم الترويج الأولى، ولقد بني المشروع بثمن مبيعات تلك المزارع مع دعومات متفرقة من وزارة المالية، والمهندس الصافي جعفر قد شهد عهده بناء القنوات الرئيسية والبيارات وضخ المياه في شرايين المشروع وبعض العمليات الإنتاجية، ولقد أعطت أرض سندس درجات إنبات إنتاج عالية في المساحات القليلة التي مورست فيها الزراعة. فمن كان يرى أن الأزمة هي الصافي جعفر فإن الشيخ الصافي جعفر قد رحل عن المشروع، ومن كان يرى أن الأزمة هي سندس، فسندس باق على حالته القديمة الجديدة بدون إنتاج، ولك عزيزي القارئ أن تتساءل: كم موسماً زراعياً قد مضى منذ رحيل المهندس الصافي جعفر ولم نر عمليات إنتاج ذات بال قد حدثت في هذا المشروع. وليعلم السادة القراء الكرام أن بمشروع سندس الزراعي ثمانين ألف فدان صالحة للزراعة، وأن القنوات والطلمبات جاهزة لعمليات ري المشروع منذ خمس سنوات، وأن هذا المشروع يقع في أكثر ولاية مستهلكة هي ولاية الخرطوم مما يوفر له قاعدة تسويقية هائلة، وأن بنيات الطرق والطاقة والترحيل متيسرة ومتوفرة، كما أن المنتجات المحتملة من قموح وخضروات ولحوم وألبان قد تضاعفت أسعارها، يقرأ كل ذلك مع الأزمة الغذائية التي ترزح تحت وطأتها أمتنا السودانية في ظل غياب الخريف في هذا الموسم مع تراجع مدخراتنا الدولارية بعد انفصال نفط الجنوب، فلا نحن قادرون على صناعة غذائنا في أرضنا البكر والماء النمير والسواعد السمر، وفي المقابل غير قادرين على استيراد الغذاء بما لا نملك من عملات صعبة! دعك من القضارف والنيل الأزرق وكردفان والجزيرة وولايات القمح الشمالية، فقط لو أن حكومة السودان استثمرت الاستثمار الأمثل هذه الثمانين ألف فدان بمشروع سندس والتي ترقد تحت نظر الحكومة الاتحادية والولائية وحكومات المحليات، حكومات بعضها فوق بعض، لأكلنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا. هل تتعطل عبقرية السودان في إيجاد صيغة مقنعة ومجدية بين الملاك والحكومة لتشغيل هذا المشروع وتخضير هذه الأرض. إن الذي يحدث في هذا المشروع من تعطيل وتسويف يرقى «للجريمة الوطنية» الكبرى في ظل ندرة الغذاء والموارد الصعبة!