ليس الغناء وحده ولا الموسيقى إنما كافة المهن الأدائية تستنّ لها شرعية جديدة للعمل ولتنظيمها في المقام الأول لكي تصبح في ذات المكان الذي يليق بها كما يجب. بموجب إطلاق قانون مجلس المهن الموسيقية والمسرحية يكون من حق الملتزم بالضوابط فقط أن يؤدي ويعمل ويستحق أن ينال كل ملحقات ذلك الالتزام المهني من شهرة ومال وأعمال. وإعمال المحافير في تلك القضية لتنتهي كما كثير من الأشياء الجيدة لصالح الفن، ولكي تتكسر بقية الضوابط والأخلاق التي تجعل من الفنان قيمة مجتمعية يقتدي بها العاديون من الناس، لكافة الأفعال كطرائق الحياة الخاصة المختلفة من اللبس والتسريح والكلام بل وحتى المشي، هو سلوك غير ملتزم في حد ذاته فكما هناك مجلس يحمي بالقانون مهن الصحافة والطب والهندسة والمحاماة، ولا يترك متفلتا فيها إلا تمت معاقبته فيجب أن يكون هناك مجلس يضبط فعل الأداء الفني بشكل عام خاصة وأنها كمهن فعلها وتواصلها مباشر مع الجمهور بمعنى أنها تدخل كل بيت وأذن وعين. على العين والرأس قانون المهن الموسيقية والمسرحية الجديد فقد سئم الناس كل شيء ولم يعد لهم سوى الفن ملجأ يحميهم من الغارات الجوية السياسية. وحينما يصبح هو في حد ذاته غارة فهذا ما يجعل الناس ينفضون من حول غلاظته وفعله المشين. وسياسة تشتيت الانتباه الممارسة لشغل العين والعقل بشيء انصرافي غير الأساسي كأن يخرج مينشيت على صحيفة أو صفحة (قانون بالجلد والغرامة للفنان!) ليرسل رسالة خفية فيكره الناس القانون قبل أن يفعّل، هي سياسة منغلقة على حدود مساحة اليوم باليوم في بيع الخبر. لكن النظرة العامة والشاملة والمتحضرة تؤكد أن الصحيح أن يكون هناك قانون سير وسلوك للفن في السودان خاصة بعد أن أصبح هو خاليا من الموهبة والعلم وممتلئا بالفطريات السامة التي أضحت عنوانا لجيل لا علاقة له بها. فهذا مجرد تفتيش خبيث خلف الفعل والتكهن بمستقبله رغم أن النوايا خفايا! خُفّا حنين هما ما نشتهي أن يرجع به كل مدع للفن إن كان في الغناء أو الموسيقى - قصة الملحنين والعازفين والدقاقين - أو في الأفعال المسرحية كالجماعات الغريبة التي استسهلت فن الكوميديا والمونولوج إلى حد أصابنا بالإسهال الدرامي! فالفن سياسة وإذا مارسه شخص ما بمنهجية وبمرجعية قانونية تلزمه بخطوط غير متجاوز عنها، فإننا نستطيع أن نقول إن الأداء سمح في خشم سيدو وفي سمع وشوف الناس وما تبقى سيكون فتات موائد له.. وذاك وحده ما يمكن أن يوصل الناس إلى العالمية الحقيقية غير التي يتشدق بها المسافرون عبر مطارات العلاقات الخاصة ويعودون دون أن يرسموا علم السودان وسحنة أطفاله على أوبريت (بكرة) العالمي أو في الأعمال الدرامية المشتركة الكبرى - اللهم إلا الاجتهادات الفردية! فردة يد واحدة لا تصفق، وفردة حذاء واحدة لا توصل إلى أي مشوار، وفردة تطبيق واحد - بلا مجاملات - لقانون تنظيم المهن الأدائية يمكن أن توصلنا إلى مشوار محترم يليق بالفن الأدائي السوداني الجميل ويجعلنا كمشاهدين ومستمعين ومتفاعلين ومؤدين، نصفق لسماحة خشم سيادة القانون.