{ ملتزم (مكي سنادة) - ونحن لا نحب تعريف الكبار سوى بأسمائهم فقط، فقد تجاوزوا لدينا مرحلة التوصيف بأستاذ وفنان إلى مدارج أعلى - بمداه الفني إلى أبعد حدود المعقول في الأداء غير المقيّد بنص مكتوب، لكن بالضرورة أن يكون داخل كادر المشهد الحياتي العام. ومتفق إلى حد سافر مع كل ما يعتليه من فكرة يؤمن بها ويعشقها مجاهرة وليس بالضرورة أن يجد لها مثنياً، متحمّلاً نفقات فن التعبير المنبسطة على صفحة وجهه فإن ابتسم كانت تكلفة الأمر كذلك وإن صمت كانت فاتورة صمته أغلى من أن تتم تغطيتها بحساب الكلمات. { وكل كلمات (التحنيس) التي برع المفوّهون بإطلاقها كي ما تعيده إلى ساحة الحرب الدرامية الباردة، لم تُجدِ نفعا إلا لاحقاً، حيث اختلفت نوعاً ما فكرته التي جاهر بها، ذات زمان قريب بالابتعاد والجلوس على كنبات المتفرجين، أو بالأصح داخل غرفة الانتظار. ليس كمنتظر لفتات النصوص السودانية المتواترة من زمن لآخر ترهق ميزانية الإنتاج بلا دعم إعلامي ملحق، ثم تسقط تحت أقدام مدعي النقد يقفون عليها كي ترتفع هاماتهم القصيرة! إنما ينتظر الفرج بصبر لم تصدأ مفاتيحه عنده أبداً، يدشن بها كل عام فتحاً درامياً فنياً بمشاركات عربية وعالمية تؤكد أن كرامة الفنان السوداني ليست في أهله أبداً. { وأهل الدراما لم يعد لهم كبير، فقرروا بعد لأيٍ أن يقودوا تظاهرة سلمية - كي لا يفهم الأمن غلط - إلى منزله العامر بكل شيء من حباب الترحاب والضيافة وحتى حليفة تناول الوجبات، ووجب عليهم قيام هذا الفرض خاصةً وان الأزمان الآن آزفة لأن يحدث التغيير. وإعلانه - غير المفاجئ لنا - بعودته مرة أخرى إلى كنبات اللاعبين الأساسيين في الفعل الدرامي هو يحسب بلا شك نوعاً من الكرم السوداني أكثر من السخاء المكي، فهو يعلم تماماً أن عودته مرهونة بإنتاج أعمال درامية تحترم موهبته الأدائية كفنان قادر أن يبكيك بنبرة صوته، وأن يحقق لك انفعال الشخصية من قدرة عضلات وجهه المتقنة الحرفية والتمارين حتى أنها هزمت له سطوة الزمن فيه فلم تنجح التجاعيد في غزوها تمام العمر - ما شاء الله - وحصانته الدرامية التي تجعله غير لائق فنياً لممارسة السباق قصير النفس الذي يتم التحايل به على الفن الأدائي الأعظم، الدراما. ويعرف كل الأذكياء غيره الموجودون بعيداً الآن عن الممارسة الدرامية الحقيقية، أن الدولة هي وحدها المتكفلة بإنجاح المبادرة الدرامية ان كانت على مستوى النص أو الكتابة أو الأداء. { فالأداء العاطفي - قايم النفس - الذي نراه ونسمعه من دعوات السيد وزير الثقافة - المهتم بالغناء - حينما يأتي طارئ الدراما، لا يشجينا ولن ينقذنا من الفجوة الكبيرة لغياب واحد من أهم الفنون الأدائية التي تخلق حراكاً ليس ثقافياً فقط كتنوع للفنون في وطن؛ إنما اجتماعي واقتصادي ونفسي كذلك، نحسها كلما جُنّت واحدة من فتياتنا بالممثل التركي (كيفاش/ مهند) كما يصيب سعاره الغناء أيضاً. { فالغنى الأدائي لدى الممثل السوداني وإمكانية تحقيق النجومية القائمة على الموهبة والقدرة والشخصية وبالضرورة حسن الطلعة، لا يمكن التشكيك فيها أبداً ودليلي أن احتفالنا القائم والمستمر بقدرة (مكي سنادة) كممثل ليس لأننا وطنيون في عشقنا ولا يبهرنا (عمر الشريف) مثلاً، لكن لأنه بجانب توفيره لنا سلعة ممتازة وأنيقة بخدمة توصيلها لما نعرفه، لغةً وبيئةً وقضايا، إلى حدود إدراكنا البسيط والشاهد ليس خطوبة سهير المسرحية أو بركة الشيخ والفيلم وغيره فإنه يفعل ذلك بملامح مقبولة وتندرج في قوائم الوجاهة منذ زمانه القديم ذاك، مما ينطبق على كثير جداً من الجيل الذي يليه والذي يليه (الرشيد أحمد عيسى، أمير عبد الله، محمد المجتبى موسى، صالح عبد القادر، طارق على، عز الدين ود العمدة، ...إلخ..) هل إذا ذكرت الراحل العميري ستكتشفون مدى بلاهة إعجابي به، وبملامحه غير المكررة! { (مكي سنادة) لا يتكرر ولا ينبغي له إن شاء؛ فقد اعتلى خشبة مسرح حيواتنا كتصميم نادر ومترف منذ الموهبة وحتى الأخلاق الإنسانية، ومن جيل لا يختلف عليه مغالط في خلقه لهذا المجتمع. وإن حصول الأجيال التالية على حقوق النشر والتوزيع من هذه الموهبة والقدرة والإتقان، فإنه وبحسب قانون التراث أمر ملزم له وواجب، وبحسبنا كجالسين ننتظر الأجمل لدرامتنا المحلية، فإنه كرم مكي أن يمنحنا موديل هذا العام، من رجل فن وسياسة. { شكراً لالتزام الدراميين بإعادتنا للحياة.