{ وأنا أتصفح إحدى الصحف قبل ثلاثة أعوام، رأيت رسماً كاريكاتورياً لطالب يحمل جوالاً من «البخرات» استعداداً لجولة الامتحانات، متجهاً صوب قرية صغيرة في أقصى غرب الجزيرة تدعى «كرتوب».. ملأني حينها إحساس بالفخر والعجز معاً، افتخرت لأني لم أمارس يوماً هذا الأسلوب، لأني لم أكن مضطرة لذلك، والأسباب كثيرة ومقنعة، وأحسست بالعجز لأني لم أتمكن من الدفاع عن هذه المدرسة التي تدعى «كرتوب»، التي بكت مر الدمع من الجهل بأمرها وإهمالها من قبل وزارة التعليم بالجزيرة. { لا أدافع عن «كرتوب »المدرسة التي خرَّجت رموز مجتمع، تحديداً، ولكني أتحدث عن المدارس المهمَّشة كلها في شخص هذه المدرسة. { ربما يتعجب القارئ أيضاً إذا علم أن مرتبات الأساتذة هنالك - أي في تلك القرى النائية - لا تتعدى أربعمائة جنيه، وربما هو المرتب المناسب، ولكن لمعلم يدرِّس مادة واحدة، بينما يدرِّس هؤلاء ما بين ثلاث إلى أربع مواد، فلماذا لا يتضجر أمثال هؤلاء؟ ولماذا أعترض، بوصفي ولي أمر طالب، على أستاذ يغادر المدرسة، وربما مهنة التدريس نهائياً، بلا سابق إنذار؟! ليتدبر الطلاب - ومن بينهم الممتحنون للشهادة السودانية - أمرهم وحدهم، بعد منتصف العام الدراسي!! { ومن يا تُرى يستطيع محاسبة هؤلاء؟! أولياء الأمور أم الوزارة التي لا تعرف عنهم شيئاً، أم اللجنة الشعبية للقرية؟!، وما دخل اللجنة الشعبية إذا كانت المدرسة تابعة للوزارة؟ ولماذا الأجاويد ما دامت المدرسة حكومية؟ ولماذا التعيين والقبول وضجته تلك ما دامت هذه هي المهنة؟! وحتامَ سوف يمتد حبل الصبر عند أولئك الذين تركوا أسرهم في القرى الأخرى وجاءوا بحثاً عن «أكل العيش»؟! { وهؤلاء الطلاب، هل تتَّبع معهم لجان التصحيح كل ما تتبعه مع الطلاب الاخرين؟ وهل لها كامل الحق في ذلك؟! { كم من الطلاب صمد أمام فتنة «البَخْرة».. وكم منهم انهار أمامها، وكم منهم دخل إلى أسوار الجامعات بنسبة لم يتوقعها؟ وكم منهم ظل حبيس بيته نتيجة التصحيح؟! فمن المسؤول؟! { إن كنت حظيتُ بتعليم مثالي بالعاصمة، فما حال أقراني والذين بعدهم؟!