{ نعود إلى طابع الحياة في تركيا وحراكها والناس في هذا البلد الإسلامي العلماني وحالة المد والجزر التي يعيشونها وهم يتطلعون إلى المستقبل عبر أوروبا واتحادها الاقتصادي وفي ذات الوقت تصالحهم مع تاريخهم العثماني الإسلامي وما بين هذا وذاك أنفقت تركيا عقودا من عمرها في ظل الجمهورية وأوروبا تقابلها بلؤم شديد حتى بدأت تترنح وتنهار اقتصاديات دولها العتيقة وفي المقابل يتصاعد اقتصاد تركيا بوتيرة مذهلة في ظل حكم رفاق أردوغان. { الأتراك ودودون ويقتربون من الغرباء ليتعرفوا عليهم وهذه سمة واضحة تلحظها عند أطفالهم ناهيك عن كبارهم وفي ظني أنهم أخذوا من الشرق أحسن ما عنده ومن الغرب أفضل ما عنده وبهذه الوصفة احتفظ الأتراك بوسطية مذهلة وقدرة على الزحف نحو أهدافهم البعيدة بخطى حثيثة ولذلك هم سدنة النار الهادئة التي (يطبخون) عليها قضاياهم وتبدو هذه الوسطية واضحة في كل شيء.. في موسيقاهم التي تحتفظ بطابع شرقي خفي داخل ألحانهم الغربية.. وفي أطعمتهم التي تحتفظ بسمة العصر في مذاقاتها وطرائق تناولها (أوتكيت السفرة) وفي ذات الوقت تحتفظ بروح الشرق القريب من تراثهم وتاريخهم ولذلك لم تكن أطعمتهم بكافة أشكالها غريبة علينا ونكاد نجد الطابع السوداني موجودا وسط مشوياتهم وطبائخهم والسلطات بكافة أشكالها وحتى المشروبات كانت (الغباشة) حاضرة وبقوة. { أقمنا في فندق مطل على خليج البسفور بمعنى أننا نقطن في آخر نقطة في أوروبا وفي مواجهة قارة آسيا التي يفصلنا عنها الخليج الذي لا يتجاوز عرضه الكيلومتر الواحد وعلى الساحل تنتشر القوارب والبواخر السياحية والمطاعم التي تقام على ظهر تلك البواخر وما من باخرة أو قارب إلا وعليه علم تركيا وكذلك أمامنا من على خليج البسفور تمر حركة التجارة العالمية بوساطة سفن عملاقة أحيانا تتوقف للتزود بالوقود والتسوق من محطة تتوسط الخليج الذي يربط بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط بمعنى أنه ينقل الحركة العالمية بين قارة آسيا وشرق أوروبا وبين غرب أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا. { ترتبط أنحاء إستانبول بشبكة من المواصلات منها مترو الأنفاق وبصات تعمل بالكهرباء (التروماج) وحافلات بجانب سيارات الأجرة ذات اللون الأصفر وهناك ترتيبات أخرى للبصات والحافلات العاملة في السياحة فنجدها مزودة بخريطة لمدينة إستانبول ومايكرفون داخلي لشرح المعالم من قبل المرشد السياحي وهناك بصات مجهزة خصيصا تتألف من طابقين وعليها نوع محدد من الزجاج أكثر شفافية واتساعا لمدى الرؤية والتصوير إن رغب في ذلك السائح بالإضافة إلى مقاعدها المنصوبة في اتجاه ميمنة وميسرة البص السياحي والمدينة كما أسلفنا في رواية الأمس تتكون من سبعة تلال خضراء تتدرج في سلام ويسر والمواقع الأثرية والجمالية لا تغيب عن العين حتى وإن غضضت بصرك. { في اليوم والليلة ثلاث وجبات تبدأ الأولى في الثامنة صباحا وهي وجبة الإفطار والثانية عند الواحدة ظهرا والثالثة عند السابعة ليلا وغروب الشمس في إستانبول يطرق عند الساعة الرابعة والثلث وما يميز الوجبات في تركيا تركيزها على السلطات والشوربات وغالبا ما تتكون الوجبة من أربع وثبات تبدأ بالشوربة ثم السلطة الخضراء ثم الوجبة الرئيسية والخيارات فيها مفتوحة وفي الغالب الدجاج والسمك أما الوثبة الرابعة والأخيرة فهي للحلويات أما الشاي ففي تركيا كنا نحرص على (الشاي الصاموطي) وهذه التسمية من قفشات مزاجنا العام طيلة أيام الرحلة وأكاد أجزم أن الشاي الذي شربناه لم يتذوقه أحد منا من قبل وعلى كل زائر لتركيا أن يحرص على تناول الشاي خارج المطاعم في الكافتريات الملحقة بهذه المطاعم من الخارج بمعنى أن تشرب الشاي من (البراد) وهو يغلي لمدة طويلة وما يميز هذا النوع من الشاي أن نكهة الشاي حاضرة وبقوة وكانك تأكل الشاي وتتنفسه بدلا من أن تشربه والمطاعم والكافتريات في تركيا يكتظ بها روادها بشكل ملفت للنظر وكأن تركيا كلها لا تتناول طعامها في بيوتها. { غدا بإذن الله نواصل المشاهدات والتفاصيل ومن بعد ذلك ننتهي بالأفكار الكبيرة وإلى اللقاء..