ظلت الصحافة السودانية وصناعتها ولعدة سنوات خلت تمر بمرحلة مخاض لمولود لم يطل بعد إلى الوجود، وربما لا يطل مطلقاً، وحتى إن أطل فربما يأتي مشوهاً تنتابه العيوب الخلقية التي تجهد جراحي جراحة الأطفال ذات التخصص الدقيق جداً. فقد ظللنا نراقب الأمر يومياً ونحن نقرأ الصحف المختلفة كل صباح، خاصة خلال الخمس سنوات الماضية التي تكاثرت وتناسلت فيها أنواع الصحف في شتي أشكالها، بدءاً من السياسية وانتهاءً بالرياضية التي ترثي حالها الآن بسبب عدة إخفاقات في المنهج والمحتوي وضحالة الرسالة. ونظراً لعدم المهنية التي أضرت بكثير من الصحف وأثرت في عطائها، واستناداً إلى الغث في الكتابة وفقاً لذلك المنهج الصحفي، فإن العديد من الصحف بدأت تجنح ولعدة سنوات سابقة إلى عنصر الإثارة والتشويق، أو إلى عنصر الإساءة والسخرية والتجريح، ولكن ولحسن الطالع فإن ذينك العنصرين فشلا بسرعة البرق في زيادة جرعات المحاليل الوريدية في أجساد العديد من الصحف التي أصابها فقر الدم وفقدان السوائل. فالصحف ذات الرسالة المحترمة التي تحس بنبض الجماهير ومعاناتها هي التي يكتب لها البقاء والصمود، أما الصحف التي تتهافت لتجميل وجه السياسات الخاطئة سعياً وراء الإعلان الحكومي المتدفق هي التي تصاب بالإنيميا وفقر الدم، فيغشاها الموت ولو بعد حين، ذلك أنها تشبه البقالات التي لم تزاول النشاط إلا بغرض تقديم سلعة في مقابل الربح اليومي.. وهكذا حال معظم صحفنا التي أصاب أصحابها الشراهة فماتت بعد حين وتأثر الصحافيون المجتهدون في داخل دهاليزها طبقاً لذلك. والآن.. تحتفي صحيفة (الأهرام اليوم) التي ولدت بأسنانها منذ اليوم الأول بإطفاء شمعتها الثانية، وإضاءة الثالثة وتقول المؤشرات إنها ستواصل مسلسل إطفاء الشموع المتجددة في تاريخ الحادي والعشرين من ديسمبر في كل عام، لأنها ظلت تتبع الجدية في الطرح، وتبعد سياستها التحريرية من القبضة الرسمية المهلكة التي تسعى إلى تجميل الأخطاء، وتضخيم الذات، فإذا ب(الأهرام اليوم) تتحدى المستحيل، فيأتيها المعلنون بكل اللهفة والشوق طمعاً في انتشار خدماتهم ومنتجاتهم نظراً لأنها تدخل كل بيت قارئ وتتسيد منافذ التوزيع في كافة أطراف الوطن. ونحن في مجال وسائط الإعلام بكافة أجناسها الإبداعية والذين ظللنا نرمي بأسهمنا فيها من وقت لآخر، لنشعر بالفخر عالي المقام، والسعادة تغمر جوانحنا، لأننا قد وجدنا (الأهرام اليوم) تفتح صفحاتها وبكل جرأة وحيادية (تحسد عليها فعلاً) للرأي والرأي الآخر، ما قاد إلى التفاف الناس حولها، وتضامنهم مع رئيس تحريرها. «مبرووووووك» ل(الأهرام اليوم) إضاءة الشمعة الثالثة، وسوف تتضاء ملايين الشموع في بلادنا، بمثلما تتفتح قريباً ملايين الزهور أيضاً..