نظرية الحرب تقوم أساساً على الحركة والمناورة بالقوات سواء أكان ذلك داخل المسرح الواحد للحرب، أم المناورة من مسرح إلى مسرح آخر. المناورة بالقوات داخل المسرح الواحد تسمى مناورة تكتيكية. أما المناورة بالقوات من مسرح إلى مسرح آخر فإنها تسمى مناورة إستراتيجية. المناورة بالقوات هي الأسلوب الوحيد الذي يتناسب مع الجيوش التي تعاني من نقص في القوة. الجيش الإسرائيلي نتيجة لصغر حجمه وصغر حجم الدولة الإسرائيلية اعتمد على أسلوب المناورة الإستراتيجية بالقوات في كل حروبه السابقة مع الدول العربية، حيث أنه من الوهلة الأولى لبداية العمليات العسكرية يقوم بنقل الحرب إلى خارج حدود دولته ليكون مسرحها هو الدول العربية المجاورة. ولقد حقق نجاحاً ملحوظاً في هذا المجال عن طريق أسلوب الحرب الخاطفة. لقد طبّقت إسرائيل أسلوب المناورة بالقوات بنجاح في كل حروبها مع الدول العربية ابتداءً من حرب عام 1948م و56م و67م وحتى حرب أكتوبر 1973م. الجيش الإسرائيلي يعتبر نموذجاً في مجال المناورة بالقوات داخل ميدان المعركة وقد ساعده على ذلك خفة الحركة والاتصالات الجيدة والعمل من خطوط داخلية وخارجية قصيرة معدة إعداداً جيداً مع وجود طرق للعمليات وطرق للإمداد، هذا بالإضافة للتدريب المتقدم وتجهيز دولة إسرائيل كمسرح للحرب. السودان له حدود مشتركة مع سبع دول مجاورة ويعاني من صراعات داخلية وتوترات حدودية مع جيرانه خاصة دولة الجنوب الوليدة التي أصبحت تمثل «إسرائيل» إفريقيا التي تستهدف السودان بصورة رئيسة، حيث أن نواياها العدوانية قد تكشَّفت منذ ميلادها في التاسع من يوليو 2011م كما جاء بخطاب رئيسها في مراسم الاحتفال. الجيوش في كل دول العالم تبنى على حسب المهددات الداخلية والخارجية وحجم الدولة ومساحتها وطبيعة الأرض وإمكاناتها الاقتصادية. حجم الجيش في أي دولة عادة ما ينسب إلى حجم سكان تلك الدولة المعنية. هنالك نسب نظرية عالمية متفق عليها لبناء الجيوش تتفاوت من نسبة 1% إلى 3% من حجم سكان الدولة. من هذه الزاوية يمكن القول بأن حجم الجيش السوداني مقارناً بحجم السكان وحجم التهديدات الداخلية والخارجية وحجم الدولة وخصائصها الطبوغرافية يعتبر جيشاً صغيراً للغاية لا يستطيع أن يغطي حدود السودان والدفاع عنها ضد العدوان الخارجي وبسط الأمن والاستقرار الداخلي والسيطرة السريعة على الصراعات الداخلية، إلا باللجوء إلى اتباع أسلوب المناورة بالقوات داخل مسرح السودان وخارجه. مقومات المناورة السريعة بالقوات لا تتوفر للجيش السوداني وهذا يدعونا إلى الاهتمام بضرورة وأهمية إعداد السودان كمسرح للحرب وبما أن الإعداد يتطلب وقتاً كبيراً ويحتاج لإمكانيات ضخمة لا تتوفر حالياً فإنه تبرز هنا أهمية قوات الدفاع الشعبي التي يتعاظم دورها، هذه القوات ذات الطبيعة الإقليمية والمحلية يمكن لها أن تساعد كثيراً في عمليات حفظ الأمن الداخلي ولهذا ينبغي الحرص على تدريبها تدريباً متقدماً وتسليحها تسليحاً جيداً يوازي تسليح حركات التمرد حتى تتمكن من الدفاع عن مناطقها وتثبيت قوات العدو لفترة زمنية محددة تمكِّن من وصول القوات المسلحة وانفتاحها للتعامل مع العدو. من هذه الزاوية يمكن للقوات المسلحة أن تقوم بعمليات المناورة بالقوات على حسب التهديدات الماثلة على أن تقوم قوات الدفاع الشعبي بتثبيت العدو في جبهات القتال المختلفة. إن إتباع هذا الأسلوب سينهي مشاكل غيار القوات التي عادة ما تحتاج إلى عقد مؤتمرات دورية وعادة ما تنفض هذه المؤتمرات بدون الخروج بحلول للمشكلة. الحرب التي تعيشها بلادنا حالياً هي حرب نظامية وليست حرب عصابات. فالفرقة التاسعة من الجيش الشعبي التي تعمل بجنوب كردفان والفرقة العاشرة التي تعمل بجنوب النيل الأزرق هذه تنظيمات عسكرية لجيش نظامي. تأسيساً على ما تقدم فإن قواتنا التي تقوم بمطاردة العدو بجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور لا تتعرَّض حالياً لكمائن ولكنها تتعرَّض إلى أعمال إعاقة تعطيلية بحجم قوات أكبر بكثير من حجم الكمائن. وهذه الأعمال التعطيلية التي تتعرَّض لها قواتنا حالياً يمكن تصنيفها بعمليات (road block) أو قفل الطريق عن طريق القوة. ومن أعمال الإعاقة هذه أيضاً ما يمكن تصنيفه ب(agresive delaying zone) التي تعني منطقة التأخير العدائية. المعروف أن الكمين عبارة عن قوة صغيرة تنفصل من قوة كبيرة لتأدية واجب معين يتمثل في إضعاف الروح المعنوية وتعطيل حركة قوات الهجوم لملاحقة قوات العدو المنسحبة. والكمين يقوم بتجهيز طريق انسحابه قبل تحديد منطقة إطلاق النار على القوات المتحركة. قوات الكمين تعتمد في نجاحها على المفاجأة والإخفاء والتمويه ولا تستطيع إلحاق خسائر كبيرة بالقوات المتحركة نسبة لصغر حجمها حتى لو كان الكمين مدبراً. أما أعمال الإعاقة التي تمت الإشارة لها أعلاه فإنها تستطيع إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بصفوف القوات المتحركة كما أنها ستقوم بتعطيلها إلى أطول فترة ممكنة تمكِّن العدو من الانسحاب إلى مواقعه الجديدة بدون تدخُّل من قوات الهجوم كما تمكنه أيضاً من كسب الوقت لوصول الدعم والتعزيزات والتنسيق مع القوات الصديقة وكسب الوقت للحلول السلمية عن طريق التدخل الإقليمي والدولي. وهذا ما لا تستطيع قوات الكمين تحقيقه. تفادياً للخسائر المادية والبشرية غير المبررة في صفوف قوات الهجوم ينبغي ألا يقل حجم أي قوة متحركة عن مجموعة لواء مدعوم بكامل أسلحة إسناده كما تبرز أيضاً أهمية الاستكشاف الجوي والاستطلاع الأرضي تفادياً للوقوع المفاجئ في مقاومات العدو التعطيلية. كذلك تبرز أهمية وجود «مجس جوي» متحرك مع قوات الهجوم لتنفيذ الإسناد الجوي القريب عند الضرورة. من أهم مبادئ القيادة هو معرفة العدو معرفة دقيقة وتحديد حالته الراهنة إن كانت تمكنه من خوض حرب نظامية أم حرب عصابات وما هي خططه ونواياه المستقبلية وتكتيكاته التي يتبعها لتحقيق ذلك. لا يمكن للعصابات أن تقوم بأكثر من ست محاولات لاستعادة مواقعها التي انسحبت منها حيث أن المعروف عن العصابات بأنها تطبِّق تكتيك (أضرب وأهرب) لأن من يهرب يمكنه أن يقاتل يوماً آخر. خلاصة القول أن ما يجري بجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور هو عبارة عن حرب نظامية تقودها حركات التمرد التي تدعمها دولة الجنوب الجديدة والصهيونية العالمية والولايات المتحدةالأمريكية والدول الغربية. أسلوب المناورة بالقوات لا يمكن تطبيقه إلا بواسطة قوات محترفة وذات مهنية عالية وتدريب متقدم وروح معنوية عالية ومعرفة دقيقة بطبيعة الأرض والمسالك التي تقودها إلى القيام بالمناورة. إن حشد القوات والنيران في الزمان والمكان المحددين وفي إتجاه المجهود الرئيس للعدو يساعد كثيراً في كسب المعركة في أقصر وقت ممكن وإنهاء الحرب في زمن قياسي حتى لا تتحول إلى حرب استنزاف دائمة لموارد الدولة. ختاماً إن تطبيق أسلوب المناورة بالقوات والنيران وحشدهما في الزمان والمكان المحددين هو الطريق المناسب للحسم السريع لنشاط حركات التمرد والأعمال العدائية التي تقوم بها دولة الجنوب الوليدة. وبالله التوفيق. فريق أول ركن/ زمالة كلية الدفاع الوطني - أكاديمية نميري العسكرية العليا