حتى سنة 1970م لم نكن نحن مواليد الخمسينيات نعرف شيئاً اسمه رأس السنة، وربما كان مجايلونا ممن عاشوا في ذلك الوقت في العاصمة الخرطوم كانوا يعرفون رأس السنة وكانوا يحتفلون به بتلك الطريقة الصاخبة العابثة المستهترة. أما نحن الذين كنا وقتها إقليميين بمعنى أننا كنا نقيم خارج العاصمة المثلثة، فلم نكن نعرف شيئاً اسمه رأس السنة. وكان مطلع العام يعني بالنسبة لنا عيد الاستقلال حين كنا نخرج من مدارسنا في مواكب هادرة وكان من لوازم ذلك الخروج نشيد وردي المشهور (اليوم نرفع راية استقلالنا) ولم يكن هذا النشيد متداولاً في الدفعات التي سبقتنا لأن وردي اعتمد مطرباً في الإذاعة السودانية عام 1957م أي بعد سنة من تحقيق الاستقلال كما أنه غنى هذا النشيد بعد عامين أو أكثر في عهد الفريق إبراهيم عبود. وكانت في هذا النشيد مغالطة مدوية أشار إليها كثير من الكُتَّاب والصحافيين فقد نظم الشاعر وغنى وردي كرري تحدث عن رجال كالأسود الضارية خاضوا اللهيب وشتتوا كُتل الغزاة الباغية ما لان فرسان لنا بل فر جمع الطاغية. والحقيقة أن جمع الطاغية كتشنر لم يفر في ذلك النهار المشهود لكنه انتصر ودخل أم درمان ويقولون إنه استباحها. وبعد سنة 1970م السنة التي شهدت دخولنا للجامعة وتعاملنا مع أولاد الخرطوم بدأنا نعرف رأس السنة ونحتفل به وعن هذه المناسبة مناسبة رأس السنة جاء في هذا العمود مطلع عام 1983م وكان يُنشر بجريدة الصحافة أيام الحسين الحسن وفضل الله محمد وشريف طمبل ما يلي:(قبل 13 سنة أي في عام 1970م لم نكن نعرف شيئاً اسمه رأس السنة وكنا نعرف فقط أول يناير وكان ارتباطه بذكرى الاستقلال أقوى من ارتباطه بنهاية سنة وبداية أخرى. والآن أصبح أول يناير يعني نوماً طويلاً، ثم استيقاظاً مُفعماً بالصداع الناتج من سخف ليلة الطراطير وإطفاء النور وتقليد مجونيات الخواجات ترويحاً عن النفس في نهاية السنة). ومن يومين مرت ذكرى الكريسماس وكانت لها أيام السودان الواحد الموحَّد (شنَّة ورنَّة) وكان المسلمون السودانيون يحتفلون بهذه المناسبة مع إخوانهم المسيحيين ثم بعد الانفصال انحسر الاحتفال بهذه المناسبة وقد يتقلص الاهتمام بمناسبة رأس السنة التي وإن كان السباقون في الاحتفال بها هم الخواجات، إلا أنها مناسبة عالمية ولقد انقضى من عمرنا جميعاً عام وهي مناسبة لوقفة أمينة مع النفس نسعى من خلالها لتطوير الإيجابيات أو المحافظة عليها وتلافي السلبيات وكل عام والدنيا بخير وكل استقلال والبلد بخير.