ربما لأن الذي ارتبط به إنجاز الاستقلال وإعلانه أي الزعيم إسماعيل الأزهري أكثر من السياسيين الآخرين لم يستمر في الحكم بعد رفع العلم وإنزال علمي دولتي الحكم الثنائي بريطانيا ومصر سوى بضعة شهور، فإن الاحتفال بذكرى الاستقلال معظم سنوات الحكم الوطني لم يكن في المستوى الذي تستحقه فعلا هذه المناسبة العظيمة التي كانت هي البداية وحجر الأساس والأصل الذي ارتكز عليه الوجود السوداني المستقل. ففي عهد الرئيس الفريق إبراهيم عبود الذي استمر من نوفمبر 58 إلى أكتوبر 1964م كان الاهتمام بيوم 17 نوفمبر الذي تولى فيه الفريق عبود مقاليد الحكم أكبر من الاهتمام بيوم أول يناير الذي رفع فيه علم الاستقلال. وفي العهد المايوي الذي بدأ في مايو 69 وانتهى في 6 أبريل 1985م كان يوم 25 مايو الذي وصل فيه العقيد نميري للحكم هو أهم الأيام وكان يحتفل به أكثر مما يحتفل ببقية الأيام المهمة في تاريخنا الوطني ومنها يوم أول يناير 56 لكن المايويين في الشوط الثاني من عهدهم عادوا للاهتمام بذكرى الاستقلال وكانوا يحتفلون به في كل عام في إحدى مدن القطر وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية. والحقيقة أن احتفالهم به لم يغب قط وفي أول احتفال به بعد وصولهم إلى الحكم وكان ذلك في أول يناير 1970م فإنهم احتفلوا بعيد الاستقلال احتفالا مشهودا حضره الرئيس المصري جمال عبدالناصر وخاطب الجماهير في إستاد الخرطوم. لكن اهتمامهم بيوم 25 مايو كان هو الأكبر وكان ذلك من وجهة نظرهم مبررا ذلك أن النظام الذي أطاحوا به في 25 مايو 1969م كان هو النظام الذي تصدر قادته عملية استقلال السودان وفي مقدمتهم رئيس مجلس السيادة الزعيم إسماعيل الأزهري والأستاذ محمد أحمد محجوب رئيس مجلس الوزراء والوزراء يحيى الفضلي وحسن عوض الله والخ. ومنذ البداية كان واضحا أن الرئيس البشير يكن تقديرا عاليا للزعيم إسماعيل الأزهري وفي عهده أطلق اسم الزعيم على شارع مهم كبير يبدأ من منزله بحي بيت المال عابرا النيل العظيم لينتهي عند شارع الإنقاذ بالخرطوم بحري وأنشئت جامعة حملت اسمه الذي أطلق أيضا على أحد أحياء الخرطوم وهو يستحق ذلك كله بل ما هو أكثر منه فقبله كنا مستعمرين (بفتح الميم) وبعده أصبحنا أحرارا وفي الخمسينيات كان الشعب يعبر عن هذا المعنى بلغته في الهتاف الشهير: حررت الناس يا إسماعيل الكانوا عبيد يا إسماعيل. ولكن بصفة عامة فإن احتفال العهد الحالي واهتمامه بيوم 30 يونيو تاريخ بدايته كان أكبر من اهتمامه بيوم أول يناير. وفي عهود عبود ونميري والبشير كانت الأناشيد التي مجدت نظمهم وتوجهاتهم أكثر من الأناشيد التي مجدت الاستقلال وربما كانت الأناشيد التي مجدت ثورة أكتوبر 64 أكثر من الأناشيد التي مجدت الاستقلال. وكنا بعد ثورة أكتوبر 64 ألغينا الاحتفال بيوم 17 نوفمبر وبعد أبريل 1985م ألغينا الاحتفال بيوم 25 مايو لكننا في كل العهود لم نفكر قط في إلغاء الاحتفال بيوم أول يناير فهو الأصل وهو الثابت الخالد وهو أهم أيام تاريخنا الوطني، إنه أبو الأيام.