مشهدٌ معتاد، ألفناه جميعاً خلال مرورنا أمام المشافي، أو دخولنا إليها لأمر اضطراري، ألا وهو تكدُّس أعداد المرافقين أمام الأبواب وهم يفترشون الأرض ويجمعون حولهم الأواني. وأحسب أن الحضور إلى المستشفى ليس أمراً مرغوباً لدى الجميع لولا ضرورة صحية مُلحَّة، وكلنا نتمنى أن يغدق علينا الله نعمة الصحة ويُبعد عنّا وعن ذوينا وأحبابنا المرض، وينأى بنا عن المشافي وما فيها. فلماذا يُمعن هؤلاء في التشبُّث بهذه العادة السيئة ويتجمعون بأعداد كبيرة بذريعة مرافقة أو عيادة مريض ما؟ وبماذا سيجدي تجمُّعهم هذا وما الفائدة التي تعود على المريض نفسه من وجودهم بهذه الكمية وتلك الكيفية؟ هل ستُعيد له العافية الضائعة؟ لا أعتقد، بل أحسب أن المرض قد يتكالب عليه ويزداد من فرط إزعاجهم وإرهاقهم له بالسلام والكلام والحركة المتواصلة من حوله، وهو الذي يكون حينها في أمسّ الحاجة للراحة والاستجمام والهدوء، كما ينصح معظم الأطباء والعارفين في الشأن الصحي بذلك. أعلم أن الأمر قد تحوَّل في معظم المناطق إلى عُرف اجتماعي، لا سيما أهلنا في الضواحي والولايات، الذين يمثِّل لديهم الأمر ضرورة مُلحَّة. فالعيب كل العيب في عرفهم التقاعس عن مرافقة مرضاهم حيثما كانوا. فنجد العربات والحافلات والبكاسي تقطع الطريق إلى المستشفى جيئة وذهاباً، وعلى متنها أعداداً مقدرة من الرجال والنساء وحتى الأطفال، تُفرغهم داخل وخارج المستشفى وفي معيتهم (الفرشات) و(الأعمدة) و(السرامس) وفيها ما تشتهي الأنفس، ليتحول المكان بعد قليل إلى مكب للأوساخ بعد أن يفرغ القوم من إقبالهم على الطعام والشراب (بنفس مفتوحة) ويتحولون إلى الاستلقاء و(الانبطاح) والتسامر و(الونسة) بعد أن نسوا أو تناسوا أمر مريضهم العزيز تماماً، وهو بالداخل يعاني من آلامه وأوجاعه وهم لا يملكون له شيئاً سوى أن وعكته هذه قد تحوَّلت لديهم (بقُدرة قادر إلى رحلة ترفيهية)! ليس إلا. إذن.. كيف السبيل لتغيير هذه الصورة النمطية غير الحضارية؟ وهل عبرتم قريباً شارع الحوادث بالخرطوم على سبيل المثال؟ هل رأيتم أعداد الزوار والمرافقين الممتدة على طول الطريق وهي تتغوَّل حتى على شارع الأسفلت في تحدٍ سافر للسيارات العابرة بكل برود ربما على أساس أن المستشفى قريب، فلا خوف من حدوث طارئ لا قدر الله. والأمر المحزن، أن معظم هؤلاء من النساء اللائي تركن مسؤولياتهن اليومية وجئن ليملأن أوقات فراغهن بهذا «البرنامج» وهن يتبارين في حمل (العدة) وأشكال الطعام، فلماذا لا يكتفي الجميع بالاطمئنان على المريض من ذويه ويتمنون له عاجل الشفاء ويعودون أدراجهم كلٌ إلى شأنه؟ علماً بأنهم في الغالب يجدون صعوبة كبيرة في لقاء المريض مباشرة داخل (العنبر) ويدخلون في جدال وخلاف وربما شجار مع مسؤولي أمن البوابة لأنهم في الغالب يتوافدون في غير الوقت المحدد للزيارة، ويظلون في (حجة) مع رجال الأمن وبإلحاح شديد قد يمكِّن بعضهم من الدخول بعد أن يقرر أولئك الخلاص من براثن إلحاحهم، ويظل البعض الآخر مرابطاً في ذلك المشهد البغيض وبصورة مزرية لا تسر الناظرين. أتمنى أن نبدأ جميعاً حملة لمكافحة هذا التكدُّس والمرابطة أمام المستشفيات، ولنبدأ بأنفسنا والمقرَّبين لنا، ونرفع شعار المعاودة الخفيفة السريعة، ترفُّقاً بالمرضى وتطويراً للمجتمع وتحسيناً للمظهر العام. فتجمعاتنا تلك لا خير فيها سوى أنها تُرهق أبداننا وجيوبنا وتبعث الضجر في نفوس المسؤولين والكوادر الصحية العاملة، وربما حتى المريض وأهله. فيا مرافقي المرضى.. ترفَّقوا، بمرضاكم وبأنفسكم، وبغيركم، ومن الخير أن نكتفي جميعاً بالاستعلام عن أحوال مرضانا عبر الهاتف الجوال هذا المخلوق السحري المفيد، بدلاً عن ذلك التكدس الذي يشعرني دائماً بأن هؤلاء القوم في انتظار دنو أجل المريض ليس إلا. ولله الأمر من قبل ومن بعد. تلويح: هل ما زلنا نتذكر أن ديننا الحنيف يحث على التعجُّل في زيارة المرضى؟!.. (خليكم خفيفين) يرحمكم الله.