كتاب العربي: أحرص حرصاً شديداً على قراءة كتاب العربي، وفي عدد أكتوبر 2011م، جاء عنوان كتاب العربي، العرب يتجهون شرقاً، وهو من تأليف مجموعة من الباحثين، وأمامي الجزء الثاني، وهو كتاب يسجل ندوة حول هذا الموضوع، والشرق هنا يقصد به أحياناً شرق آسيا حيث يرغب العرب في الترحال لطلب العلم، أو التجارة، أوالحج إلى الكعبة المشرفة، ويتحدث الكتاب عن التأثيرات المعمارية المتبادلة بين العرب وشرق آسيا، والتأثيرات المتبادلة في الموسيقى والغناء بين العرب وآسيا، قراءة أولية في كتاب البيروني تحقيق ما للهند من مقولة، مقبولة في العقل أو مرذولة، وفي جلسة لهذه الندوة جاء العنوان، الشرق الآسيوي يقرأ الأدب العربي، فلقد ترجم الأدب العربي لأهل الشرق في الصين والهند، وبلاد فارس، وهوذا الإمام الهندي الذي وجد في التدريس والتأليف لذته وارتياحه وشوقه وسعادته، يقول: سهري لتفتيح العلوم ألذّ لي من وصل غانية وطيب عناق وتمايلي طرباً لحل عويصة في الذهن أشهي من مُدامة ساقي وهذا كله يعني أنه يحب السهر لتنقيح العلوم، ويميل طرباً لحل اللغويات العويصة، وهذا ألذ له وأمتع من كل شيء في الحياة. وفي الكتاب عدة جلسات حول موضوع العرب يتجهون شرقاً، فيما يربط العرب مع دول آسيا وآسيا الوسطى، وقد حدث احتكاك بين الثقافتين وما ترتب على ذلك من تلاقح وتفاعل ثقافي بين الجانبين ولقد كان لنا في الهند وفي الشرق الآسيوي تاريخ عربي ولدينا الآن في الهند 150 ألف مخطوطة عربية. الأقباط والشرق: وقد خطر ببالي أن الأقباط يتجهون شرقاً، عندما يصلون، وعندما يبنون كنائسهم، وعندما يرحلون من العالم إلى العالم الآخر يدفنون ووجوههم نحو الشرق، وللشرق عند الأقباط مكانة خاصة بدءاً بمريم العذراء أم السيد المسيح التي قال عنها القرآن الكريم: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً) »مريم16»، ويبدو من هذا أن مريم انفردت في مكان بعيد معتزلة للصلاة، ويأتي اختيار الأقباط الاتجاه نحو الشرق في الصلاة وبناء الكنائس انطلاقاً من أن الله موجود في كل مكان، بل إن الله موجود في قلب كل إنسان، ولكن إلهنا إله نظام وترتيب ولهذا نأخذ ناحية محدودة نقف فيها جميعاً بانتظام ونظام، وكانت كنيسة اليهود تتجه نحو أورشليم بكون أورشليم موقع الملك العظيم السيد المسيح، ولكن كنيسة العهد الجديد تمارس عبادتها متجهة نحو الشرق، ولقد جاء في الدساتير الدسقولية: يلزم أن تكون الكنيسة مستطيلة الشكل متجهة نحو الشرق، وهكذا تحدث آباء الكنيسة، وهكذا أيضاً روعي في تقليد بناء الكنائس نحو الشرق، ويحكي أنه في كنائس سوريا في القرن الثاني، كان يوضع صليب أو نقش على الحائط المواجه للمتعبدين ليتعرفوا به على الشرق أثناء عبادتهم، وهناك تقليد يذكر أن يوحنا بن زبدي تلميذ المسيح، أخذ صليباً من خشب ورفعه عالياً نحو الشرق، وركع يصلي، وأن الذين آمنوا على يده كانوا يصلون نحو الشرق. ومنذ كنيسة القرون الأولى وحتى الآن يطلب من المعمَّد بعد جحد الشيطان أن يتجه نحو الشرق ويعلن إيمانه بالله الواحد وبكنيسته المقدسة الجامعة الرسولية، وقد تعرض المسيحيون لسوء فهم من الوثنيين لأنهم يتجهون نحو الشرق حيث ظن البعض أن الشمس هي إله المسيحيين، وأن يوم الأحد يوم الرب في المسيحية هو يوم الشمس Sunday ولم يكن الاتجاه نحو الشرق فقط في الكنائس إنما في العبادة الخاصة، حيث ذكر القديس أرسانيوس أنه اعتاد الوقوف للصلاة عند غروب السبت حتى تشرق الشمس أمامه صباحاً، وكان الشهداء عندما يحكم عليهم بالموت يتطلعون نحو الشرق تقديساً واحتراماً للشرق، أي أن الشهداء أنفسهم كانوا يتجهون شرقاً. ولقد دعي السيد المسيح بأنه شرقنا، وبأنه شمس البر والعدل، كما ذكر زكريا نبي العهد القديم، وبأنه شمس البر والعدل: هُوَذَا الرَّجُلُ [الْغُصْنُ] اسْمُهُ. وَمِنْ مَكَانِهِ يَنْبُتُ وَيَبْنِي هَيْكَلَ الرَّبِّ.(زكريا12:6)، أما ملاخي الذي تنبأ عام 430 قبل الميلاد، فيتحدث بروح النبوة عن السيد المسيح: [وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا (ملاخي2:4)، وهنا يقول العلامة أوريجينوس إنه يليق بنا الصلاة متجهين نحو الشرق إشارة إلى تطلع النفس تجاه فجر النور، أي إلى شمس البر والخلاص الذي يشرق على العالم الجديد، أما القديس أمبروسيوس فيقول: إن طالبي العماد يلتزمون بالاتجاه نحو الشرق أثناء عمادهم لكي يروا السيد المسيح وجهاً لوجه. وتلفت انتباهي دوماً، بل أحب أن أسمع مذيع الأرصاد الجوية وهو يقول غداً تشرق الشمس. وعندما نتجه نحو الشرق إنما نتذكر الفردوس المفقود، فلقد خلق آدم ليعيش في جنة عدن شرقاً، ونحن بالاتجاه إلى الشرق نتطلع إلى الفرودس المفقود، راغبين في العودة إليه، وهذا يعني أننا استبدلنا أورشليم بمسكننا القديم، وهنا تسمو النفس تطلعاً نحو مدينتنا الأبدية. والأقباط يتجهون شرقاً في انتظار المجئ الثاني الذي سوف يأتي كالبرق من المشرق: كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ هَكَذَا يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ.(متي27:24)، كما قال الملاك للتلاميذ: إن هكذا يأتي ابن الإنسان كما صعد في المشارق (أعمال11:1)، وتوصي الدسقولية: يلزم أن تصلوا نحو الشرق، إذ تعرفون ما هو مكتوب: أعط مجداً لله الراكب سماء السموات نحو الشرق، وفي هذا يقول أحد الآباء: هلم نسرع جميعاً نحو الشرق لنلتحف بالثياب البيضاء ولنحمل مصابيحنا في أيدينا ويترنم القديس مار أفرام السرياني: عندما يظهر الرب في المشرق يظهر صليبه أمامه كاللواء أمام الملك والأقباط يتجهون شرقاً، لأن الشرق رمز للميلاد المجيد، والرجاء، والنور، ومع شروق كل شمس يتجدد رجاء المؤمن منطلقاً ببداية جديدة، كما في الاتجاه إلى الشرق توجهٌ نحو يسوع الذي كان عندما صلب ناظراً إلى الغرب، ونحن ننظر إلى الشرق لكي ننطلع إليه. ولقد توجه بولس نحو الشرق عندما تقدم إليه السياف ليقتله شهيداً، وهكذا كل الشهداء كانوا يصلون نحو الشرق، ويدفنون بوجوه تتطلع نحو الشرق منتظرة المجئ الثاني للسيد المسيح، ويذكر بتلر المؤرخ أن هناك في كل مثال للكنائس اتجاه للمذبح نحو الشرق واضح وأكيد.