صورة قاتمة كئيبة وحقيقية في نفس الوقت عن الوضع الحالي في مصر قدمتها جريدة المصري اليوم في عددها الصادر الثلاثاء الماضي الموافق 17 يناير، إذ جاء فيها ما يلي: تصاعدت الأزمات والاحتجاجات أمس قبل أيام من ذكرى 25 يناير وتفاقمت أزمة نقص البنزين والسولار والبوتاجاز في معظم الجمهورية فيما شهدت البلاد من القاهرة إلى أسوان مظاهرات واعتصامات ووقفات احتجاجية وقطع الطرق والسكك الحديدية للمطالبة بتحسين مستوى المعيشة وتحقيق مطالب فئوية. وقد أعلنت معظم محطات الوقود خاصة في القاهرة والجيزة خلوها من البنزين والسولار وامتدت طوابير السيارات أمامها لمسافات طويلة وقال عدد من مديريها إن وزارة الداخلية أصدرت الأوامر للمحطات التي بها وقود للعمل في الفترة المسائية فقط لتخفيف الزحام في الشوارع . وشهدت مناطق عديدة احتجاجات بسبب نقص البوتاجاز وقطع أهالي البرلس الطريق الدولي بين بورسعيد والإسكندرية احتجاجاً على عدم وجود أسطوانات وتوقفت حركة قطارات الصعيد سبع ساعات بسبب قطع أهالي سوهاج السكة الحديد بسبب صراعات انتخابية. وتواصلت الاحتجاجات الفئوية إذ تظاهر الآلاف من سائقي النقل الثقيل وعمال المحاجر وخريجي هندسة البترول للمطالبة بإلغاء غرامات السيارات وتثبيت الوظائف وشهدت محافظات البحر الأحمر والشرقية والبحيرة وبورسعيد والإسكندرية وأسوان عدداً كبيراً من الاحتجاجات المماثلة . ولو أن عميد المسرحيين العرب الراحل يوسف حضر هذا الذي تعيشه مصر الآن وذكرت بعضه جريدة المصري اليوم لكرر لازمته الشهيرة يا للهول عشرات المرات وصحيح أن ما يحدث في مصر هو ما يحدث عادة بعد الثورة وقد شهدنا بعض الفوضى والانفلات هنا في السودان بعد أكتوبر 64 وأبريل 1985م لكنه لم يكن بهذا الحجم ولم يستمر كثيراً فسرعان ما عادت الحياة إلى طبيعتها وإن لم تتحقق أهداف الثوار والمنتفضين وربما كان من أسباب ذلك النفس النضالي السوداني القصير . وربما كان طول فترة الفوضى التي تعقب الثورة في مصر تحديداً راجعاً إلى طول الكبت والقهر وصرامة الدولة المصرية التي عاناها المصريون منذ فجر التاريخ حتى عهد مبارك الذي اقتلعته ثورة 25 يناير . ولن يكون استمرار الأوضاع الحالية في مصر في صالحها لكن استمرارها حتى الآن لا يلغي عظمة الثورة وأنها كانت ضرورة وواجباً واختياراً. ولا يعني استمرار هذه الأوضاع المقلقة أن نظام مبارك كان يخدم مصالح مصر فقد كان نظاماً فاسداً أقصر من قامة مصر وأصغر من حجمها. واستمرار الأوضاع الحالية إلى ما لا نهاية مستحيل فذلك ضد طبيعة الحياة نفسها التي من أهم ثوابتها أن الاستقرار هو القاعدة والثورة هى الاستثناء ومعها الفوضى التي تعقبها . وقريباً بإذن الله ترجع مصر إلى طبيعتها وطناً آمناً جميلاً لأهلها وملاذاً مفضلاً للعرب يحرص الناس في كل الدنيا على الاستمتاع بزيارته.