إن السلوك الفردي يؤثر في الجماعة تأثيراً عميقاً بل وقد يوجه سلوك الأفراد وجهة معينة لأبنائهم وقد يسرى هذا الأثر بين الأفراد عن طريق الاستعداد الذي يدفعه الإيحاء أو المشاركة الوجدانية أو عن طريق التقليد أو المحاكاة ومن البديهي أن يؤثر السلوك الاسري على الفرد حتى أن من يغير اتجاهه بتحقيق رغبته الذاتية يعد شاذاً. بروفيسور عثمان أحمد عبدالوهاب متبحر في العلوم لديه ست بنات، خمس منهم تخصصن في المجال العلمي غير أن أصغرهن (أنوار) قد اتجهت للمجال الفني فكانت مثاراً للحيرة فهي فنانة تشكيلية مبدعة في مجال الرسم والتلوين والزخارف وأستاذة فنون جميلة من الدرجة الأولى وقد أقامت عدداً من المعارض المدهشة داخل وخارج السودان، هكذا تتحكم الميول في اتجاهات الأفراد فتتكسر القيود. بنات طلسم، بنات شاكر، بنات خيري، بنات عجاج، كلهن مبدعات شكلتهن البيئة الأسرية وكثيراً ما يتحدث المرء عن التوافق السيكولوجي بين الأفراد أو بين فرد وبيئته فقد تكون بيئة الفنان مهيأه من الناحية العاطفية والروحية والفنية، فالفنان يتسم بالحساسية الإنسانية فتتفجر طاقاته الإبداعية وتقديم الفن بوجه عام هو تكيف في تحويل البيئة بصورة ترفع من قيم الحياة الجمالية وغيرها من القيم السيكولوجية. نانسي ونهى عجاج في حين أن (نانسي) قد ظهرت من خلال إحدى شاشات القنوات الفضائية ببساطتها المعهوده بتقديم عدد من الأغاني في جلسة منقولة من هولندا بسحر الجاذبية كان بدرالدين عجاج قد أتى (بنهى) لكي يقدمها للجمهور السوداني بأعمال خاصة من ألحانه الرائعة وقد كان يتهيأ لتسجيل ألبوم لها. كان رأي محمد سراج الدين كمؤلف موسيقي أن صوت نانسي مثير للاندهاش لكن بدرالدين كان حريصاً بأن يستمع لمبدعة أخرى من بناته وأن يقدم لها أعمالاً من ألحانه فقدم لهم دعوة للاستماع لها وقد كان يسعى للوصول بها إلى بر الأمان. تقول نهى إن والدها هو قدوتها وأن إحساسها نحوه من نوع آخر وخاص وسلوكي وتصرفاتي تعكس مدى تربيتي على يده ومعايشتي الطويلة لوالدي هي التي عرفتني أصول الموسيقى وكان يعمل على تحضير الألحان لي وأنا خارج البلاد وهو من زرع بداخلي الإيمان وكانت لديه ثقة تامة في نجاحي.. حوار ملاذ ناجي جريدة الدار 30/11/2011 استمعنا للألحان التي وضعها بدرالدين عجاج وأدائها المعبر لأغنية مسافر ليه وجرحك ني (التنبوء بسفره الأخير) نانسي الثقة بالنفس والاحساس بالحب الهادئ وحب ما هو جميل ووضعه موضع الدوام والاستمرار حب البساطة والتذويق والتنسيق حب الاتساق حب البناء وترك الأثر في نفوس المستمعين لكل منهما أسلوبها أو طرازها أو طريقتها المميزة في تنويع من الانماط المتباينة وهو نتيجة تفاعل عوامل كثيرة تشتمل على عناصر البيئة الطبيعية والاجتماعية والشخصية الفنية وقدرتها من أهم محددات الأسلوب مع التأثر بالأحوال الثقافية فتبرز أداءات عن وسائل فنية وأساليب وطرق التفكير، أداء نانسي لأغنية (ظلموني الناس) للفنان إبراهيم الكاشف وأداء نهى لأغنية مسافر ليه وجرحك ني هما اللذان دفعاني لكتابة هذه المقالة. لإحساسي بأن الناس قد ظلموا نانسي كثيراً وإحساسي بأن إحساسها الصادق هو ما عبرت عنه بمعايشة درامية صادقة كالممثل الذي يسترجع المواقف فيزرف الدموع فيحدث للمشاهد التطهير، فالذاكرة هي جزر العبقرية المبدعة والتي تكمن في لحظة الإدراك المباشر باللحظات الماضية التي حملت انطباعاً مماثلاً يخلق فيه الفنان عبر الزمن قوامة أنغام متماثلة تلقاها من أوقات متباينة وصل بينها في تشبيه كذلك أداء نهى لأغنية مسافر ليه وجرحك ني والتي تعايشت معها تعايشاً صادقاً حتى أحسست بأنها تخاطب والدهها الذي (سافر وجرحه ني) إن الحالات التعبيرية الصادقة تقترن فيها الانفعالات النفسية بمجموعة من التغيرات المختلفة التي ينتج عنها الحزن والفرح والتوتر .. إلخ كما تتحكم الحاجات في سلوك الفرد فالانفعالات تضفي على حياتنا الحرارة والقوة وتجعلنا أحياناً نزرف الدموع. اختيار هذا الجيل لأغاني التراث والحقيبة وأغاني رموز الفنانين الذين وضعوا بصماتهم وتميزوا في مراحل سابقة ظاهرة صحية وهامة فهذه الأنماط أو الأشكال الممتاز قد أصبحت هامة كمرجع وبالنسبة للشباب قد أصبحت مراكز اهتمام جمعي دائم تتجه نحوه عواطف الناس وعندما يقدمها هذا الجيل تتمركز فيها الرغبة والجهد والإقبال والاعتزاز والإعجاب في جانب المتلقي وتسكب هذه الفنون قوة عاطفية بفضل ما وهبته من معان جديدة ورمزية وخواطر ذهنية مرتبطة بما يسيطر على الجماعة أو على الأقل من جانب جماعات صغرى من الصفوة داخل الجماعة لإعادة إحياء الأغاني، فالتعاقب هو سلسلة متواترة يتضمن تعبيرات متعاقبة في الأسلوب قد تكسب كثيراً من الأنماط الفنية شيئاً من المتانة والخلود والمواكبة. أن أسلوب كل فنان في وقت معين مارس في زمنه يتذكره الناس من الناحية التاريخية مقترنة بأنماط تكوينية معينة في زمن معين ومن شأن الفن الممتاز أن يجذب نسبة كبيرة من المؤدييين لأنه يكسبهم مقاماً رفيعاً وهؤلاء بدورهم يكسبون مكانة أسمى وللتكيف ويجعلونه أسلوباً رائداً من المعاني الأسلوبية القابله للتكيف وتنمية الذوق الجمالي كما تؤدي نانسي ونهى أغاني مستلهمة ولكن لو أننا استطعنا بناء الأحقاب الثقافية الماضية بصورة أكمل فنشيد طوابق لتذوقنا الفن بطعم مختلف ولذيذ فيختلف جن من قالوا عليه مجنون سابقاً من مجنون اليوم، مجنون العولمة الجنو كلكلي ولابس ملكي.. لك الرحمة بدرالدين عجاج فأنت خالد بعطائك لنا مبدعتين. (لنا لقاء)