أن تقيم وزارة الثقافة مهرجاناً للمسرح في هذه التظاهرة الكبيرة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحرجة التي تمر بها بلادنا، فهذا يحسب لها رغم علمها بأن المسرح كفن إنساني قد تناسته الحكومات المتعاقبة وكل المسرحيات التي علقت بأذهان جمهور المسرح منذ ستينيات القرن الماضي أنتجها الفنانون على حسابهم الخاص ونصيب الحكومة إنتاجاً منها مخجل جداً برغم المقولة المعروفة «أعطني مسرحاً أعطك أمة». ولغياب المسرح عن النشاط الإبداعي السوداني منذ مجيء الإنقاذ لسدة الحكم في ظل المتغيرات المتسارعة في عالم الاتصالات والأقمار الاصطناعية التي تبث كل حصاد المعمورة من الفنون ودون أن تكلِّف الإنقاذ نفسها في استخدام الفن المسرحي في طرح قواعد للتعايش السلمي وتوجيه أفكار الشباب الحائر بين الاستلاب الخارجي ومعطيات الداخل المخجلة مسرحياً وسينمائياً و«مسلسلاتياً» أيضاً- إن جازت الكلمة- فإنه عبأ ذاكرته بقوة «رامبو» وعضلات «جون سينا» وضربات «الرجل الوطواط» البهلوانية. فكان ولا زال غنيمة سهلة المنال لكل شذاذ الآفاق الذين اتخذوا من الغابات والسهول والجبال معسكرات لهم، وكونوا فيها حركات تمرد قوامها شباب السودان الذين لم يجدوا مسرحاً حقيقياً ليخرجوا بعد عروضه المتوالية رجالاً عاملين لنهضة السودان فخسرت الدولة أموالاً طائلة في محاربة التمرد الذي ما فتأ ينقسم «فتيلياً» كل صباح متمخضاً عن كرتة جديدة وخسر أيضاً المئات من جنودنا البواسل أرواحهم رخيصة في حرب كان يمكن تداركها بتوجيه عيدان حطب نيرانها من الشباب الساذج الذي مضى مغمض العينين خلف ما علق بذهنه من دراما غربية بنيت على القتل، فدخلوا أوكار عقار والحلو ومناوي وغيرهم حتى دون كشف طبي لتطبيق مشهد في فيلم شاهدوه ليس إلا! وأعود لمسرحيات المهرجان وأحيي كل الأعمال التي كتبها سودانيون من واقع المواطن البسيط واتحفَّظ على كل عمل تمت سودنته من رواية أو قصة عالمية أو إقليمية لأنها مهما بذل فيها من ديكور واكسسوار وتصرف ذكي فهي تعني المزيد من الإستلاب والتبعية. وما زلت أسأل لجان المشاهدة الأولية ومدير المهرجان ووزير الدولة للثقافة، ثم وزير الثقافة الاتحادي عن مغزى إقصاء مسرحية «العويش» بطولة الممثلة القديرة آمنة أمين بسبب أن زمنها ساعة وأربع دقائق وقانون اللجنة المنظمة نص على ألا يتجاوز زمن النص المنافس ساعة ونصف الساعة ولا يزيد، ولكن لكل شيء استثناءات خاصة في مجال الإبداع فإن مسرحية «العويش» هي وحدها التي تناولت المشكل الدارفوري بكل الجرأة ولهذه القيمة الأخلاقية فقط، كان حري بكل قوانين اللجان أن تتداعى أمامها. ولكننا مازلنا نقف حجر عثرة في طريق المسرح القادم لتصحيح أخطاء الساسة. خروج أخير: «ما من تجربة مسرحية تكتمل دون جمهور يرقبها» بيتر بروك..