{ لا شك أنكم استعجبتم في الاسم وأكيد ما مسرحية عادل إمام بالسوداني، ولكن هذه قصاصات من دفتر الحياة اليومية التي تحتضن بين أحضانها روح الدعابة السودانية التي تختلط بالبساطة مع فول من الشهادات رغم اختلافها ودرجاتها لابد أن تكون النكهة للفول السوداني أصيلة ونقية لا تحمل شوائب الترفع لكي تصنع حلوى مولد في مولد المصطفي عليه الصلاة والسلام يحبها الكبار قبل الصغار وأكيد نحن الأطباء نلتقي بكل أصناف المجتمع وتبقى السمة العامة ابتسامة تبدأ بالسلام عليكم مع طبيب يعمل رغم الظروف والظريفين وأكيد غير الظريفين لتكون النتيجة (كرت محولة) بدل شهادة وفاة والأعمار بيد الله، وهاكم: { شاهد أول: في يوم من أيامنا الجميلة مع عمومي على أعتاب الانتداب أقصد النواب، وأثناء تواجدنا داخل الحوادث وزحمة من المرضى، أتى مدير المستشفى في زيارة خاطفة، وهو اختصاصي في نفس القسم الذي نعمل فيه، ونحن لم نكن نعرف شكله، وفي عز الزحمة، ولم نكن مركزين، جلس ينظر إلينا في كراسي المرضى، فتخيلته زميلتي مرافقاً لمريضها، فجعلت تعطيه الفحوصات وهو مستغرب لماذا؟ فقالت: مش إنت المرافق، فقال: نعم، وصمت. وفجأة وهو في عز استغرابه، أتيت أنا أحمل صوراً، فسألني عن الحالة بالعربي، فقلت له: بس نزيف بسيط في الراس، وقال لي وين؟ فلم أستعجب لأن السودانييين عموماً يحبون أن يعرفوا كل شيء عن مرضاهم، فقلت له: هنا؟ وكم من النظريات في (هنا) وفي (كسر) وهو صامت. الغريب أننا لم ننتبه أن الأطباء يأتون ويسلمون ويذهبون، فلم نلاحظ ونربط أن الجالس أمامنا طبيب حتى! وفي غمرتنا وبعد زمن حتى هدأت الزحمة، قال وهو يضحك: يا ناس شنو شغالين في مستشفى ما عارفين مديرها. فنظرنا أنا وصديقتي له وتذكرت أني رأيته من قبل، ولكن لم أتذكر من كثرة ما أرى من الناس ولم أنتبه، فوقفنا وبدأنا نعتذر، فضحك وقال: الشغال معاكم منو؟ فقلنا: الاتنين في العملية، نحنا رسلنا ليهم أربعة وهسي شغالين في الباقي (كدسنا بيهم) ومن قبيل ما أكلنا ولا صلينا، وقلنا ليه: الله جابك شوف معانا المرضى أهو نستفيد من زيارتك وتأخذ نصيبك من (الكداس)، فمر معنا في الحوادث وظل يشرح ويدرس ويضحك علينا، ويكرر كلماتنا: إنت مش مرافق؟ { شاهد تاني حصل لي موقف آخر وأنا في أول أيام لي في الامتياز، تم توزيعي لوحدة الجراحة بمستشفى الخرطوم وعرفت أن النائب اسمه محمد.. جئت الحوادث وسألت الاطباء القاعدين: الشغل كيف معاكم وكيف الوضع داخل الوحدة؟ وهكذا، وتسلطت أسئلتي على أحدهم كان يجلس طرفاً وهو صامت، فقلت له: قالو عندكم نائب واحد اسمو محمد، أوعه يكون صعب (toxic) فرد: (أيوه اسمو محمد وهو صعب شديد وجواط جداً) فارتعبت ورجعت أحنس المدير الطبي ليحولني لوحدة تانية، وما كان في طريقة إلا تلك الوحدة، فنزلت معهم، وفي المرور اكتشفت أن من لاقاني كان النائب محمد، وظل يضحك عليّ طول الوقت ويقلدني: اسمو محمد أوعه يكون.... { شاهد تالت قص لي زميلنا نائب اختصاصي قال لي: أول ما نزلت الروتيشن بتاع النواب وزعوني مع وحدة جراحة الشغل فيها كتير وكدا، فحاولت أكسر حاجز التعب والإرهاق، وبرضو عشان أكتشف طباع أطباء الامتياز العندي عن قرب، فجيت نزلت كأني طبيب امتياز جديد، وسألت: وين السنير؟ فرد عليّ احدهم: أنا، وظل يشرح لي: نحنا هنا بنعمل كدا وكدا وما تعمل كدا وكدا.. المهم ساقني وفسحني، وطيلة الديوتي ما قصر: تعال نعلمك غرفة الخراجات وامسك اللستة، وطبعاً جاريت، والى أن جاء بالمساء المستر فسلم علي وقال: دا النائب فلان، فصعق الكل، فقد كانوا سنير عليّ في الوحدة، وظللت أقول لهم: ما إنتو السناير أنا أصغركم وروني إنتو حتعملو شنو؟ وجد اتكسر حاجز أنا نائب وصرت صديق وأخ وأعلم بكل شخص عن قرب. ودمتم سالمين.