وما الحياة إلا ظل يعشي ممثلاً مسكيناً يستشيط ساعته فلا يسمعه أحد (وليم شكسبير) نشيد بالدور العظيم الذي تقوم به وزارة الثقافة وبالجهد الذي تبذله في مجال الارتقاد بعموم مجالات الثقافة وخاصة المسرح بوصفه ظاهرة تحتل مساحات هامة تكتسب تناميها واستمراريتها من قدرتها على خلق وبلورة فعلها التراكمي وفق رؤية مسؤولة من جهات تدرك أهميتها وأهمية دور لقاءات مسرحية حسية تأخذ طابعاً جاداً لحل القضايا المهمة إن المهرجانات المسرحية التي تعتمد على المشاركات المتنوعة تمثل بوتقة مهمة فانصهار الجهود واعادة تشكيله وحضوره بشكل جيد هو ما يشغلنا ويؤرقنا لمسرح يتراجع جمهوره عن سبعينيات وثمانينيات جمهوره الذهبي الذي كان يشاهد عرضاً يشي بقدرته على مواكبة التحولات السريعة في العالم وتحدياتها اللامتناهية أياً كانت امكانياته فيصبح فيه المتلقي مشارك مهم في العملية المسرحية باقباله على الأعمال بقناعة وشوق. عوامل عديدة جعلت من المسرح مسجوناً في منطقة ضيقة وخانقة ذلك المسرح الذي كان تياراً قويا تقاطع مع الكثير من القضايا والمطالب المستنيرة التي كانت تطرح على أرض الواقع ابان تلك الفترات السابقة وتجسدها فهل اصبح المسرح اليوم مسرحاً مختلفاً فأوشك أن يهجر تلك القضايا والمطالب والتطلعات التي تجذب الجمهور بأسلوب مختلف؟! الكثير من المواهب قد استطاعت أن ترفد إلى الساحة باسمائها ومازال لها حضورها إلا أن النسبة العالية منها قد صارت تعتمد على الأفكار العقلانية الصعبة في أعمالها وأصبحت العروض المسرحية تتكئ على الجانب التقني الخاص وتشكل الفضاء المسرحي بصعوبة فكيف يمكن إزاء ذلك خلق جمهور ينجرف نحو تيار مسرحي متنامي وممتد يتجاوب بطرح أعماله ببساطة ويتعايش في فضاء التلقي السهل والواسع فالجمهور يحتاج إلى طرح قضاياه بمصداقية في عروض تناقش همومه وتقدم له الفرجة والامتاع عروض بمدارس مختلفة قدمت في المهرجان وقد كانت جيدة قادها شباب مبدع ورواد فبالرغم من مجانية العروض لكن الجمهور كان لا يمثل ذلك الكم الهائل الذي كان يأتي من الضواحي وطرف المدائن (ويدفع دم قلبو) فيرتاد المسرح ويصر على مشاهدة العرض رغم كل الظروف والقوانين فيكسر باب المسرح أو يتسلق حائطه ذلك ما كنا نشهد عليه في السبعينيات، أربعون عملاً بما في ذلك عرض الافتتاح وختام المهرجان فهل أضاف هذا التراكم المسرحي جمهوراً كبيراً غير المسرحيين ولماذا تجاوب الجمهور مع مشاهد الرواد كنماذج عرضت في حفل الختام ولماذا ضحكوا وتجاوبوا مع شخصية بت قضيم وأب دليبة وتور الجر وعجوبة، كلها اسئلة تحتاج إلى اجابات يمكننا أن نستقي منها للمعالجة. الأستاذ عثمان أحمد حمد كان شخصية المهرجان وهو الرائد المسرحي الذي اختير ليكرم بوصفه أحد الأفراد الذين قدموا خدمات جليلة للمسرح في السوداني سواء على صعيد الابداع الفني أو الجهد والعطاء الاداري ومساهمته مساهمة فاعلة ومؤثرة في الحركة المسرحية في السودان وتقديراً للدور الرائد والمتميز فقد كان حضوراً بكل المقاييس وتكريمه لتقدير العطاء ولكن ما هذه الصورة الساخرةالتي يكرم بها العمالقة والتي أصبحت ظاهرة سائدة باستخدام طقوس الجرتق غير المبررة لرجال لهم وزنهم يزفون ويجرتقون أمام أحفادهم وهذه الظاهرة قد مورست في السابق مع دكتور يوسف عايدابي عندما كرم في مهرجان مسرح البقعة فالمرجو وقف هذه المهازل والبحث عن أسلوب مناسب للتكريم حتى لو بعرض شيء من أعماله فوجود عدد كبير ممن شاركوا بالتمثيل مع عثمان احمد حمد كان عالياً (شيخ المخرجين الأستاذ فتح الرحمن عبد العزيز بالاضافة إلى دراسته العلوم في جامعة الخرطوم فقد درس الاخراج المسرحي في بلغاريا وتخرج من المعهد العالي للمسرح بصوفيا عام 1966م - أخرج العديد من الأعمال وعمل كمساعد مخرج لأستاذ الاخراج (مهرنج) وقدم أعمالا بالتعاون مع معهد جوتة هو أستاذ لعمالقة المسرحيين السودانيين بمن فيهم الذين التحقوا بقسم الدراما بمعهد الموسيقى والمسرح منذ بدايته ليصقلوا في فن المسرح على أيدي اساتذة رواد وهم أستاذ الاخراج الانجليزي (مستر ولش) واستاذ الاخراج والتمثيل المصري دكتور (عوض محمد عوض) اضافة إليه كان طلابه المسرحيين ومازالوا يتضاءلون أمام عملاق شامخ فهو من استقوا منه علوم المسرح، رجل يدفعنا بان نضع أيدينا على قلوبنا باستمرار خشية أن نفقد محبته أو نفقده للأسباب التي تتعلق بعزل المستثنى في مجتمع ظاهرة التغييب الممتدة- يواجه التحديات بمختلف أنواعها بشجاعة أليس واجب علينا أن نقيمه بما يستحق ونكرمه تكريماً مستمراً لا أن نحاول قطع انفاسه. عندما شارك الأستاذ فتح الرحمن في المهرجان لم يكن هدفه نيل جائزة ليقيم كمنافس فليس هنالك من يقوى على منافسته فقط هدفه كان ديمومته وحضوره وتقديم شباب رائع واضافة دروس لكي يتعلم منها الجميع يقول الأستاذ فتح الرحمن في تقديمه لمسرحية أوديبوس للكاتب اليوناني سوو كليس ترجمة عبد القادر القط إنني اعتمد على أقوى الترجمات وأني اتمنى أن يعينني الله في أن أجعل نصاً مسرحياً، كتب في القرن الخامس قبل الميلاد عرضا يعكس واقعنا المضطرب بكل تفاصيله فهو يعرف كيف يمكن عرض عمل بطرح يتناول اشكاليات صعبة لا يمكن أن تعالج ببساطة وكيف يمكن تلخيص تراجيديا بهذا الحجم بكل ما فيها من أزمات وجودية وصراعات درامية ونتائج مأساوية وكيف يمكن توصيل رؤيته التي وضعها أمامنا في مساحة ساعة ونصف وما جدوى الاستفادة من أوديبوس اليوم هذه اسئلة سرعان ما وضح منذ بداية العرض الذي قادنا إلى رحلة بصرية وتكامل العناصر التي تحققت لخدمة هذه التجربة التي اتسمت بالابداع فكنا أمام عرض معاصر جداً طوع عناصر ملحمة تاريخية باستعادته بالدقة الشديدة والجدية فلكل ايماءة معناها لكل نظرة ضرورة ولكل تحول شخصية ملحمة تاريخية جمعها في لعبة بازخة ومقتصدة كانت بمثابة المبرر الدرامي لكل ما تحقق أمامنا - أذكر أنني كنت ضمن لجنة تحكيم دراما موسيقية قدم فيها الراحل عبد الله اميقو عملاً بعنوان وكان المقرن فامسكت بقلمي ساعتها فكتبت أنا ما حكمتك ما أنت القيمة التحكم عملك. أنا ما حكمتك والتحكيم ابداً ما شملك منو البيقيم صدق احساسك والأطفال النغمة مسطرة في كراسك يا الطاغي حماسك يالصعب قياسك منو البيقيم نبل احساسك واعتذرت للجنة بوضع درجاته. كل من تجرأ بأن يحكم أعمال استاذنا فتح الرحمن خاطئ فهو من يقيمنا وليس نحن وأقول لأحد أعضاء لجنة التحكيم إن استخدامك للمثل القائل (بأن الحوار غلب شيخو) خاطئ لأن الأمثال ليست منزلة وكثيراً ما تخطئ فلا يستطيع الحوار أبداً أن يغلب شيخه الذي يفوقه بالعلم والتجربة ولكن على الحوار أن يحترم شيخه - إن الجائزة الأولى التي حجبت هي مهزلة إذ كانت من نصيب استاذنا بكل المقاييس - ثم ماذا؟ تجاهل للمرأة وتهميش مقصود بداية من مجلس مهن درامية وموسيقية خصص فيه مقعد واحد لرائدة مسرحية هامة وتستحق ضمن عدد يفوق الثلاثين وتكوين لجان لمهرجان الخرطوم المسرحي تجاوزت فيه المرأة - لجنة المشاهدات الأولى واللجنة العليا التي قد كونها وزير الثقافة في البدء بفكرة المهرجان قد ضمت سيدتين تجاوزهما المهرجان بتشكيل لجان أخرى وتجاهل المرأة في الاستكتاب والمحاضرات وتقديم الأوراق في الملتقى الفكري وتخصيص مقاعد مجحفة في حق كثير من النساء الرائدات مثال (جلوس دكتورة عايدة محمد علي وآسيا عبد الماجد وأخريات في الخلف ارتجالياً. وعدم تكريم الرائدات المشاركات أو الإشارة إليهن كبلقيس عوض ورابحة محمد محمود). انتهى المهرجان وقدم اتحاد المهن الدرامية بيانه الرائع من رئيس الاتحاد طارق البحر الذي يشتمل على جملة من الامنيات والتوصيات نأمل لو نفذ منها ليتغير الوضع المسرحي إلى الأفضل ولو حدث ذلك لسارت العجلة المسرحية بسهولة ودون معوقات أو اعتراض طريقها وتحد من انطلاقها أو تؤجل الوصول إلى إهدافها وغاياتها. إن الأمل معقود على الجهات المعنية في تبني القضية التي يعترض طريقها كثير من العقبات وأن يساهموا بشكل فاعل وعاجل في رفع معاناة المسرحيين ومشاكلهم وتذليل الصعاب أمام حركتهم وسعيهم الدائب نحو الآمال والمستقبل ليكونوا عند حسن ظن ومحل ثقة ونأمل أن تكون المساحة الزمنية مناسبة لتقديم العروض المسرحية في كل أنحاء القطر ليسترد المسرح أنفاسه. لنا لقاء