والمشنقة التي تعلو رأس الاقتصاد، يفتل حبالها رجال محليون يتسلمون الدولار بالتهريب، لتخريب الاقتصاد المحلي، والوصول إلى حافة الهاوية للنظام الحالي. والنظام يحمي إلى أقصى حدود اللامعقول نفسه، ويترك الاقتصاد السوداني مكشوفة عوراته على المتفرج والمشتري على السواء! وسواء أكنت بائعا أم مشتريا للعملة الصعبة عن طريق التجار، فأنت ملزم بوقوفك في صفّ المخربين، الذين تتم مقاضاتهم في قائمة الجرائم الموجهة ضد الدولة. هذا إذا ثبتت إدانتك ولم يتدخل طرف ثالث لإخراج الشعرة من العجينة! لكن الوضع الحقيقي يلزم كثيرين بالتعاطي مع تجار العملة الصعبة خارج المنافذ الشرعية للبيع، إن كان في ما يخص الدراسة أو العلاج أو التجارة خارج البلد. فالمعروف أن البنك يسمح بكمية محددة للمواطن وبحسب حاجته المعتمدة في أوراق طلبه. والطلب المتعالي للعملة الصعبة في الفترة الأخيرة ألزمه الانفتاح الاقتصادي الكبير إبان الحقبة البترولية السابقة - والعهدة على النكتة، تترجم الحالة بالقول، شممتونا ريحة البنزين، حصل الانفصال، لو كان ضوقتونا ليه كان الحصل شنو؟ والتراجع المتعرج لخطوات الاقتصاد لا ينكر مغالط أن له علاقة وطيدة بانسحاب البترول من اللعبة السياسية، وعدم تمكن مؤسسات الدولة من طرح البديل المناسب لسد ثغرة البترول، فما زالت المبارحات العلاجية لمسألة (سدّ مروي) تقف مكانها من حيث المغالطة لمن أخذ ومن عوّض؟ أما الزراعة، فالملف أكثر عمقاً وفساداً من آبار (شل)! الشلل الارتعاشي الذي أصاب الأطراف الصناعية لبدائل البترول، تحاول الحكومة جاهدة معالجته عبر القروض الحسنة والمتأخرة والعلاقات الدولية والحزبية التي ما كانت في ذات مشروعٍ وإنقاذ، يمكن المجاهرة بها. لكن هل هي معالجات مؤقتة أم حاسمة؟ هل هي خالية من كوليسترول الشبهة الاقتصادية السيئة التي تلزم السودان أن يكون مقيداً تجاه صندوق دعم أو نقد طوال سنوات حياته؟ الحياة المديدة لدولة الإنقاذ في نسختها الأولى، والمنقحة، والجديدة، والقادمة - كان ربنا مدّ في العمر - كان الشعار الملهم والعالي فيها أن نأكل مما نزرع وإلى آخر تلك الحكاية. ولمّا لم يتم شيء من تلك الفكرة، واتجهت جهة مختلفة تماماً، تسربت منها الأموال إلى جيوب أنفية لروائح شخوص معينة، فكانت ناطحات سحاب لأفراد وسيارات تبلغ أعلى من دخل الفرد السنوي في مدينة دبي العالمية! وبالمقابل لا توجد عمالة وطنية ولا اقتصاد مستقر ولا يحزنون! وكل من تتحدث معه من عامة الناس، يكون مقاله الكامل من الافتتاحية، والمتن، وحتى الحاشية، هو (ديل نهبوا البلد)! والبلد تتحدث بلا لسان عن نهب مسلّح بالأفكار والقيم والثوابت، فترى البنيان المرصوص وشاهق، وترى المستشفيات والمستوصفات (الما خمج) وترى ثقافة الفلل والبدل والقمصان والبرادو والكليك والتوكسان! وتستمع بلا فواصل لمعلقات عن الفساد والملاحقات، ولأغنيات محرّفة مثل (لو كان بالمراد واليمين مطلوق، ما كان بترفع (أب صلعة) في السوق!) والسوق هو سوق الاقتصاد السوداني. وما دنا من عذابنا كعامة أننا نستطيع أن نرى بعيننا المجردة من الوطنية (أب صلعة) يرتدي الأخضر الجميل ويعرّف نفسه بحرف (الأس) المائل، يتسيدنا، ونرضى ونوافق أن ننشنق بجنيهاتنا في السوق!