اهتم المراقبون المصريون بالزيارة التي قام بها رئيس المجلس الوطني أحمد إبراهيم الطاهر والوفد المرافق له إلى القاهرة الأيام الثلاثة الماضية، وفي حين تخوف البعض من أنها ربما لن تؤتي أكلها كما يرغب الطرفان نظراً للظروف الداخلية التي تشهدها مصر هذه الأيام، وانشغال المصريين بالداخل الملتهب، إلا أن مصادر قريبة أكدت ل «الأهرام اليوم» أن الجانب السوداني كان ينوي تأجيل الزيارة، إلا أن الجانب المصري هو الذي أصر عليها، وأنه قام بإعداد برنامج الزيارة بنفسه.. وفي أحد اللقاءات أكد «الطاهر» أن الإعلام الدولي دائما يهول من الصورة، وقال: كنا نتصور أن الأمور في مصر على حافة الهاوية لما نشاهده على الفضائيات، ولكننا وجدنا أن مناطق الأزمة محصورة في التحرير ونطاق وزراة الداخلية، وأن الحياة في مصر تسير بشكل عادي. { لقاء الطاهر والوفد المرافق له أمس الأول بعدد من قادة النخبة المصرية بعد الثورة من أحزاب ومنظمات وإعلاميين بأحد فنادق القاهرة المطلة على النيل، يعد أبرز لقاءات الوفد، حيث شهد اللقاء عرضاً لرؤى الجانبين بعد الثورة من منظور شعبي، بعيدا عن اللقاءات الرسمية. { في اللقاء الذي أداره السفير السوداني بالقاهرة كمال حسن علي قال «الطاهر» إن ثورة 25 يناير فى مصر فجرت كثيراً من الثورات والتحولات العالمية ونتج عنها ربيع عربي متنوع فى العالم كله، مضيفاً أن زيارته والوفد المرافق له إلى القاهرة بدأت بتحية مجلس الشعب وتعزية الشعب المصري على مجزرة بورسعيد، معرباً عن أمله في أن يتطور هذا التواصل ليكون بداية انفتاح جديد بين البرلمان في البلدين، معتبراً أن التنوع السياسي والحزبي في مصر ليس دليلاً علي سوء بل عافية، قائلا إن هذا الاختلاف ليس للفرقة ولكن لتبادل الآراء، واستطرد مخاطباً الحضور: وما يجمعكم هي مصر ذات التاريخ العميق والثقل السياسي الذي لا يتجاوزه أحد، ومصر في موضع الصدارة وينبغي لها أن تكون كذلك. { الطاهر مضى بالحديث حول العلاقة بين البلدين، وقال: كنت أقابل كثيراً أخي أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق، وسألني ذات مرة عن حال السودان، فقلت له إننا متعلقون بمصر ومصر تعلقت بأوروبا وأوروبا تعلقت بأمريكا وأمريكا تعلقت بإسرائيل، ولكن نحن نريد لمصر أن تتجه جنوباً فستجد نموها وأخاها في هذا البلد، وتابع: كل ما نريده في هذه الحقبة أن نبني مزيدا من التواصل، وأن نتعاون في تحقيق المصالح المشتركة وأن تكون كلا البلدين قويتين، مشيراً إلى أن اللجنة البرلمانية المصرية السودانية ستعقد جلستها المقبلة في الخرطوم وذلك بعد أن عقدت آخر جلسة لها في القاهرة قبل عامين من الآن، معرباً عن أمله في أن تظهر هذه اللجنة روح الربيع العربي.. وتحدث عن العرف الذي يسمح في السودان بعضوية الوزراء ومستشاري الرئيس في المجلس الوطني، قائلاً إن هذه العضوية لا تنتقص من دورهم النيابي، ناصحاً المصريين بالاطلاع عليه لعله يفيد. { مستشار رئيس الجمهورية الدكتور غازي صلاح الدين، بلغته العالية، قدم رؤية في اللقاء أبهرت الحضور بالقاعة، وأكد أن السودان يشهد تآمرا لا يقف عند حدود السودان، وقال إن هذا التآمر يمر على كل الدول وما يحدث في جنوب كردفان والنيل الأزرق مجرد بقايا من أفراد الحركة الشعبية، مؤكداً أن القيادة السودانية أكثر القيادات فرحاً بالربيع العربي بصورة عامة، مشيراً إلى زيارة الرئيس عمر البشير إلى ليبيا مؤخراً، وأعرب عن أمله في أن تزداد العلاقة بين مصر والسودان، وأن تكون مؤسسة على إرادة شعبية، وقال: لا بد أن نتطارح الأفكار مع القوى السياسية المصرية، وأن ننطلق من استراتيجيات بعيدة الأمد، وأن نبتعد عن الجزئيات كلما أمكن، مضيفا: نحن محظوظون، فما كنا نتصور أن تحدث ارهاصات أزمة جوهرية في النظام الرأسمالي، وهذه فرصة لنا للعمل بعيدا عن الضغط الدولي، مضيفا: مصر مواجهة باسرائيل، والسودان مواجه بالحروب في المنطقة المجاورة والقرن الأفريقي، معرباً عن يقينه بأن التحولات الكبري في التاريخ تقوم بإرادة الناس، مؤكدا أن مصر بعد الثورة مؤهلة لذلك، وقال: بعيدا عن فلسفة الأمور لا بد أن نعول على مؤهلاتنا في أننا نستطيع التطور، مشيرا إلى أن انفصال الجنوب أفرز معطيات جديدة على الساحة، وأن له تبعات كثيرة، وقال: عوقبنا بسبب تمسكنا بإسلامنا وعروبتنا، وعدائنا لإسرائيل، لافتاً إلى أن أول زيارة لسلفاكير كانت لتل أبيب دلالة على ذلك، وقال: لا يمكن أن ننظر إلى هذا الحدث على أنه برئ. { رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس الوطني محمد الحسن الأمين قال: إن ما حدث في مصر مهم جدا بالنسبة للسودان، مفسرا أن العلاقات القائمة علي إرادة الشعوب أقوى من الحكومات، وتطرق إلى القضايا الثنائية التي ناقشها الوفد مع المسؤولين المصريين منذ وصولهم، وتأتي على رأسها قضية الأمن القومي، وقال: نحن ننظر لقضية الأمن القومي في مصر والسودان باعتبارهما قضية واحدة لا معزل بينهما مثل الأمن المائي والغذائي، ولفت إلى أنه من المقيدات التي وضعها نظام الرئيس السابق حسني مبارك كانت طرح مثل هذه القضايا السابقة على جهاز حكومي (متكاسل)، على حد وصفه، وزاد أن الجديد هو أننا نقول هذا الحديث الآن لقوى يمكن أن تغير وهذا هو أهم ما يميز النظام الديمقراطي. وفي ما يتعلق بقضية الأمن القومي قال محمد الحسن: السودان هو الدولة الوحيدة التي ظلت منذ أكثر من 60 عاما تحت وطأة التهديد الإسرائيلي المباشر، بالإضافة إلى علاقة جنوب السودان بها، وفضلا عن قضايا الجوار العربي والقرن الافريقي ولا سيما المواجهة بين ارتريا وإثيوبيا، مؤكداً أن السودان يعي هذه الأخطار السابقة ويحاول أن يتوصل مع مصر إلى استراتيجيات وبرامج، بينما يأتي ذلك في وقت يعاني فيه النظام الدولي من مشكلات، علي حد قوله. { القاعة شهدت حضورا متنوعا للقوى السياسية المختلفة بعد الثورة.. وتعقيبا على حديث الوفد قال الأمين العام للحزب الناصري المصري أحمد عبد الحفيظ: إن مصر والسودان في حالة أزمة حقيقية، معتبرا أن انفصال الجنوب لم يحقق الاستقرار للسودان.. أما رئيس اتحاد ائتلاف مصر للحزاب الوسطية محمود حسام فتحدث عن أهمية العلاقات المصرية السودانية، بينما أشار الشيخ محفوظ عزام من حزب العمل إلى القيود السياسية على العلاقة بين البلدين، مطالبا أن يسير البلدان في طريق التعاون الحقيقي.. وشهدت بعض المداخلات نداءات بدعم العمل الشعبي، ورسم السياسات لتحقيق ذلك، وأنه لا بد من التفكير بأسلوب جديد عن السابق، واقترح البعض تشكيل لجنة مصرية سودانية لتفعيل التواصل المصري السوداني. { الخبيرة بمركز الأهرام الإستراتيجي الدكتورة أماني الطويل حاولت الخروج من سياق الأمنيات بكيفية تحقيق علاقات متطورة في ظل وجود بعض المشاكل التي يجب معالجتها أولا، وقالت إن فكرة قدوم المصريين إلى السودان مرفوضة من بعض قطاعات الشعب السوداني، وخاصة الولاية الشمالية، ودعت الجانب السوداني لحل مثل هذه المعوقات أولا لبناء العلاقات بين البلدين علي أساس سليم. { السفارة السودانية بالقاهرة أقامت عشاء على ضيافة الوفد دعت له عددا من القيادات المصرية الجديدة على رأسها رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور سعد الكتاتني، ووزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا، والأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، وعدد من قادة الأحزاب المصرية، وكان مفاجأة العشاء ظهور والي جنوب دارفور السابق الدكتور «عبد الحميد موسي كاشا» الذي يزور القاهرة هذه الأيام، ورغم إلحاحنا على الحديث مع كاشا حول الأحداث التي شهدتها الولاية بعد إقالته وتعيين خلفه، إلا أن الرجل رفض تماما، وقال ل (الأهرام اليوم): ليس لدي أي كلام نهائياً. { رئيس المجلس الوطني تحدث مرحباً بالحضور وقال إن زيارة الوفد التي استغرقت ثلاثة أيام لم تكن كافية لهذا الحراك الكبير من اللقاءات مع المصريين، وقال إن الإنقاذ اجتهدت في بداياتها بأن تتولى أمر المدافعة العسكرية التي قدم فيها السودان تضحيات كثيرة من خيرة شبابه ونسائه في الحرب مع الجنوب، مضيفاً: إننا أدركنا أن بقاء الجنوب سيكلفنا كثيراً، ولذلك كان الانفصال أمراً محتوما لنا، وكان خياراً لكل أهل السودان وليس الجنوب وحده، وتابع: لا نندم على انفصال الجنوب رغم أنه قطعة عزيزة علينا، مؤكدا أن الانفصال كان مخططاً تديره دوائر خارجية وعلى رأسها اسرائيل، بنصرة المتمردين وإمدادهم بالسلاح، مؤكدا أن انفصال الجنوب ساعد على تماسك الشمال، وأن الخرطوم تجاوزت الآن منطقة جبال النوبة والنيل الأزرق بسيطرة القوات المسلحة عليها، مشيرا إلى أن المهددات تكمن في استخدام الحركة الشعبية كمخلب قط لشن الحرب من جديد علي السودان باستخدام فلول التمرد في دارفور الذي يحاول عمل بعض المناوشات على الحدود، ولكن الأمور تحت السيطرة، وأضاف الطاهر: نحاول أن نتجه شمالا، وأن نستفيد من المتغيرات وأن نتقارب أكثر من الدول التي كانت متعطشة للحرية ونالتها، موضحاً أن هناك مشروع حوار سوداني لمزيد من التعاون مع مصر، وأن هذا المشروع يجد تجاوبا من مختلف القوي السياسية السودانية، مطالباً الجانب المصري بتقديم النصح إلى ليبيا التي أصبحت بعد الثورة تحتاج للكثير والكثير، مؤكداً أن مصر تحتاج للسودان، وأن السودان يحتاج إلى مصر، وقال: على المصريين ألا يخشوا من الضغوط الخارجية التي قال إنها توجد نوعا من المقاومة تؤهل الشعب للتحدي كما حدث بالسودان، مشيرا إلى أن السودان في ظل الضغوط وصل معدل النمو فيه 7%، وأن هذا معدل كبير على المستوى العالمي، مؤكدا أنه لولا المحاصرة ما كان ذلك، ووعد بأن السودان سيقدم كل المساعدة لمصر في كافة المجالات حتى تعود إلى دورها الرائد في المنطقة. { رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور سعد الكتاتني رحب بالوفد السوداني وقال: ليس مستغربا على السودان أن يكون أول دولة تساند مصر بعد الثورة بزيارة الرئيس السوداني لها كأول رئيس عربي يزور مصر بعد الثورة، مؤكدا أن البلدين شعب واحد، مبينا أن ثورة 25 يناير حققت الكثير بإنجاز الانتخابات البرلمانية، وقال إنه لأول مرة توجد تعددية حزبية حقيقية داخل البرلمان تمثل التنوع السياسي للشارع المصري، وأنه لأول مرة هناك نقابات ورؤساء جامعات بالإنتخاب، مؤكدا أن المسيرة الديمقراطية في مصر بدأت، وأن الشعب هو الذي يختار، وقال الكتاتني إن البداية قد تكون صعبة، ولكنها ممارسة مبشرة وواعدة، مضيفا أنه ليس من نافلة القول أن نقول إن العلاقات بين البلدين ليست ترفا، بل تمثل لنا فرضية الوقت، بأن تكون على أكمل وجه في المرحلة الحالية، وتابع: كلانا يحتاج للآخر فطموحاتنا وأهدافنا واحدة، مطالبا بأن يكون للشعوب دور في رسم السياسات الدولية، وقال: لا ينقصنا شئ فلدينا الإمكانات التي تؤهلنا للعب دور محوري على المستوى الدولي في الأيام المقبلة، وتابع: أتصور أن البدايات بتكامل مصر والسودان وتكوين نواة حقيقية لمزيد من الالتفاف حولها من الدول العربية، معلنا أن هناك إعادة صياغة للجنة البرلمانية المشتركة بين البلدين، وقال: سنقدم مقترحاتنا للبرلمان السوداني لدراستها، وأنه في زيارة ثانية سيصبح هذا الأمر مجالا للتطبيق العملي. { العشاء شهد حضورا مختلفا لشخصيات مختلفة تماماً، فمثل هذه المناسبات كانت يتصدرها (أصحاب الكرفتات الشيك) من رجال النظام السابق، أما بعد الثورة فيمكنك أن تشاهد مجموعة مختلفة بالجلباب وباقة أخرى متنوعة من اللحية، فهذا هو شكل مصر الجديدة، الطابع الإسلامي يتصدر الصورة فيها، وفي جانب من صورة العشاء شاب ملتحي من حزب النور السلفي يقدم اعتذارا للدكتور فايزة أبو النجا أحد رموز النظام السابق وقد احتفظت بمنصبها بعد الثورة، على أنه كانت لديه بعض الشكوك حولها، وقال: تأكدت أن شكوكي لم تكن في محلها، ولذلك أنا أقدم اعتذاري، والوزيرة ترد عليه بابتسامه بأن مصر لن يقدر عليها أحد بعد ذلك، وأن الوجوه الطيبة هي التي سوف تبقى بإرادة هذا الشعب العظيم.. (حوار مختلف في زمن مختلف).!! { وكان وفد برلماني رفيع برئاسة رئيس المجلس الوطني أحمد إبراهيم الطاهر والدكتور إبراهيم أحمد عمر، والدكتور غازي صلاح الدين، ورجاء حسن خليفه، وعدد من رؤساء اللجان بالمجلس وهم الدكتور كمال عبيد والدكتور محمد الحسن الأمين، والحبر يوسف نور الدائم، قد وصل إلى القاهرة مساء الثلاثاء الماضي في زيارة استغرقت ثلاثة أيام، قابل فيها الوفد رئيس المجلس العسكري المصري محمد حسين طنطاوي، ورئيس مجلس الشعب الدكتور سعد الكتاتني، ورئيس الوزراء المصري الدكتور كمال الجنزوري، والمرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع وعدد من رؤساء وقادة الأحزاب السياسية والنخبة المصرية.