{ يطب لي أن أفسح المجال للأستاذ حسين الهادي عبد الرحيم وهو يكتب عن (الأم) وهي فرصة طيبة لنقترب من أمهاتنا في حياتهن أو آخرتهن وندعو لهن بما يناسب من الدعاء فهن أعظم ما في حياتنا.. { مما لا شك أو ريب فيه أن دين الإسلام الحنيف أكرم المرأة في شخص الأم، ورفع من شأنها وقدرها إلى أعلى المراتب التي تليق بها، وسيظل رضا الأم غاية سامية ونبيلة للعارفين لأفضال الأمهات، وحري بكل شخص راشد أن يسعى حابيا لإدراك ذلك الشرف الرفيع، وقد أوصى القرآن الكريم بذلك حيث قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ. وكيف قيل إنه جاء رجل إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقال له من أحق الناس بحسن الصحبة يا رسول الله؟ فقال له الرسول الرؤوف الرحيم عليه صلوات من الله وسلام أمك وكررها ثلاث مرات ومن ثم قال للسائل أبوك، والبر وإحسان المعاملة حق كفله دين الله للوالدين على الأبناء وهو دين مستحق وواجب السداد والإيفاء به طواعية، وقد قال سبحانه وتعالى في ذلك الشأن (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، والإسلام اهتم اهتماما عظيما وكبيرا بشأن الوالدين وإكرامهما ورعايتهما عند الكبر وحذر ومنع ولدهما من مغبة أن يعوقهما وأن لا يتفوه ضدهما ولو بكلمة (أف) وهي كلمة تتكون من حرفين لا ثالث لهما وتعد هذه الكلمة من بلاغة القرآن الكريم، إمعانا لتحذير صارم لصوت خفيف يصدر من الشخص الغضبان أو المتضجر. { فالإسلام خص الأم بثلاثة حقوق وجعل للأب نصيبا واحدا وذلك لقاء إنفاقه وعطفه وتربيته، وقد قال أحدهم إن حق الوالد أعظم وبر الأم ألزم وأوجب وأكرم، وكيف أن الأم تنفرد عن الآباء بثلاث خصال كما هو معلوم ومعروف ومتفق عليه، مشقة الحمل وصعوبة الوضع ومن ثم رهق الرضاعة الممتدة لحولين كاملين، ومن المؤسف حقا أن تنقلب الموازين رأسا على عقب وتختلف المعاير اختلافا كبيرا و(بعض) الأبناء الجبابرة العصاة القاسية قلوبهم من جيل اليوم يشتمون آباءهم بمنتهى الصفاقة والوقاحة والانحطاط الفج، مع رفع الأصوات في حضرتهما، فهذه التصرفات البغيضة الكريهة تشكل خطورة بالغة التعقيد لمنتهجيها وقد ترمي بهم في معسكرات العاقين مباشرة لقساوة قلوبهم واسودادها، والبعد الكبير عن منهج رب العباد في طاعة الوالدين. { وقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) في ذلك كل الذنوب يؤخر الله منها ما يشاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل به لصاحبه، وفي المقابل نجد أن الشخص الذي يعترف بحقوق والديه عليه فإنه رفيق بهما ومهذب مؤدب ومطيع لوالديه، دمث الأخلاق رفيع الهمة صادق المشاعر نبيل التوجه، هو بالتالي يؤدي واجباته الدينية المكلف بها على أكمل وجه وذلك كما أمره الله جل شأنه في إرضاء الله ورسوله ورضا والديه، دون الاعتبار لعاطفة خاصة. { من أولويات الأخلاق في الإسلام التي يجب أن يلتزم بها أي شخص مؤمن التزاما صارما كاملا هو بر الوالدين، وقد رأى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وأرضاهما رجلا حمل أمه على كتفه وهو يطوف بها حول الكعبة، فقال: يا ابن عمر أتراني جازيتها؟ فقال له عبدالله بن عمر ولا بطلقة واحدة من طلقاتها عندما وضعتك، ولكنك أحسنت والله سيثيبك على القليل كثيرا، وقد حذر مع الوعيد الشديد الرسول (صلى الله عليه وسلم) من عقوبة عقوق الوالدين فقال: ثلاث لا ينفع معهن عمل، الشرك بالله وعقوق الوالدين والفرار يوم الزحف.... { مخرج... اللهم أسألك بكل اسم هو لك أن تغفر وترحم والدتي وعمتي آمنة بت عبدالرحيم ميرغني ووالدتي وأمي فاطمة بت محمد ميرغني وأكرم نزلهما وتلطف بهما وأقبلهما عندك قبولا حسنا، وأدخلهما جنتك التي وعدت بها أنبياءك ورسلك والمؤمنين مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا، وارحمنا واغفر لنا إن صرنا إلى ما صاروا إليه وإنا لله وإنا إليه راجعون. حسين الهادي عبدالرحيم ميرغني