{ ويغادرنا (هرم) فني آخر شاهق، جذوره تغوص في أعماق حضارة (النوبة) التليدة، وسادتها بناة (الأهرامات)، يغادرنا إلى الدار الآخرة وسط آهات وأنََّات الملايين من أبناء الشعب السوداني الحزين في موسم الأحزان المتوالية!! { «محمد وردي» أسطورة الفن في بلادنا، وفنان أفريقيا الأول، رحل ليلة أمس عن دنيانا، بعد معاناة طويلة مع المرض، تاركاً وراءه تاريخاً طويلاً امتد من خمسينيات القرن المنصرم، حافلاَ بالإبداع، ذاخراً بالدهشة ودافقاً بالفرح النبيل. { رحل «وردي» ذاك الشامخ.. الباذخ.. العملاق الذي غنى للشعب في انتفاضاته وثوراته، وانقلاباته (يا شعباً لهبك ثوريتك.. تلقى مرادك والفي نيتك). { ولم يلق الشعب مراده.. ولا الفي نيتو!! وينتظر بشيء من الأمل أن يكون القادم أحلى، في زمن بلا أفراح، بلا بشريات!! { مضى كبير الغناء في بلادنا، محبوب الملايين في السودان، إثيوبيا، إريتريا، تشاد، نيجيريا ومصر وغيرها من بقاع المعمورة، مضى خاشعاً تائباًً إلى رحاب الله يرجو رحمته، ويطلب مغفرته، ويأمل في عطفه، إنه الرؤوف الغفار. { كان قيثارة استثنائية.. وانكسرت !! كان مدرسة في الموسيقى، وجامعة في الغناء!! قدم لمكتبة الفن السوداني رصيداً هائلاً من ألحان معجزة، مبهرة، نغمات تسري مع الدماء، تمنح الجسد العافية، وتهب القلب الحياة، فتغني العيون قبل الحناجر.. تغني الضمائر!! يا نور العين.. إنت وينك وين!! { نعزي فيك شعبنا.. ووطنا البإسمك كتبنا ورطنََّا.. نعزي السواقي.. وخيوط الطواقي.. ونسكب عليك دموع الفراق. { نعزي هذا البلد (الحبوب).. أبو جلابية وتوب، وسروال ومركوب، وعمة وصديري.. وسيف وسكين!! { نبكي.. ونحلم مع «وردي» أن يكون مكان السجن مستشفى.. مكان الأسرى ورديَّة.. مكان الحسرة أغنية.. مكان الطلقة عصفورة تحلق حول نافورة.. وتداعب (شفع) الروضة!! { رحل «وردي» وبينا وبينو والأيام.. قصة حب طويلة.. شيدناها بالآمال والعشرة النبيلة. لكنه هاجر أخيراً مودعاً الآلام وطعنات الكلى، ليرتاح هناك في الدار الآخرة.. عند رحمن.. رحيم. { إنا لله وإنا إليه راجعون.