عقب قيام حكومة الإنقاذ أعلن القائمون على أمرها عن ولادة قوات جديدة تسمى (قوات الدفاع الشعبي) كان من بين مهامها رفع درجة الوعي الأمني ونشر الروح والتقاليد والانضباط العسكري والإسهام في الدفاع عن الوطن والمعاونة في التصدي للأزمات والكوارث العامة حتى يتمكن أفرادها من معاونة القوات المسلحة على أن تضم هذه القوات في صفوفها المواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في قانون هذه القوات لسنة 1989. وعقب هذا الإعلان وإزاحة الستار عن هوية الإنقاذ كشف أهلها عن نيتهم حسم مشكلة الجنوب عن طريق الخيار العسكري الذي ابتدر بخطاب جهادي تواكب مع حماس أبناء الثورة، فتداعت مجموعة من الشباب عرفوا بولائهم للحركة الإسلامية وانفعلت بهذه الدعوة التي تعني بالنسبة لهم ترجمة المفاهيم النظرية إلى الواقع والانحياز إلى مبادئ وقيم الحركة الإسلامية، وأنتجت تلك الحقبة مجموعة من الأشعار اختلف الناس في تقييمها لكن في النهاية وجدت طريقها للناس من خلال الإعلام الموجه الذي تمكن بدوره من توجيه الوجدان الشعبي العام نحو هذه الخطة. ووفقاً لتحليلات المتابعين أن هذه المسألة أفرزت نمطاً سياسياً وثقافياً جديداً لكن آخرين نظروا لهذه المتغييرات في إطار سياسة التطرف التي عزلت السودان آنذاك عن محيطه الإقليمي والدولي، واستمر هذا النهج بذات الأهداف والبرامج إلى أن تعرض تنظيم الحركة الإسلامية إلى انشقاق واتفق الناس أو اختلفوا أدى إلى إصابة الفكرة بشروخ لكن استمر الدفاع الشعبي رغم ابتعاد بعض المجاهدين، وحينما وقعت الحكومة اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية في 2005 كان من ضمن الأشياء التي تم التفاوض حولها مستقبل وجود قوات الدفاع الشعبي، ويبدو أن الحكومة حينئذ قبلت على المستوى النظري فكرة إحداث تحوير إلى حين في مهمة هذه القوات، لكن ظل الناس من حين إلى آخر يسمعون عن أنشطة مختلفة للدفاع الشعبي ومطالبات تتم من قبل الحركة الشعبية لتجفيف هذا التنظيم العسكري، بعد انفصال الجنوب تم تفعيل الدفاع الشعبي من جديد خاصة بعد اندلاع أحداث النيل الأزرق وجنوب كردفان، لكن رغم ذلك دعونا نسأل هل ستعود هذه الشريحة بذات الأهداف والمنهج القديم أم أن هناك مستجدات ستطرأ على المنهج والبرنامج؟ وعودتها هل تعني عودة الإنقاذ لسيرتها الأولى، عندما طرحنا هذا السؤال على الكاتب المعروف إسحاق أحمد فضل الله قال الدفاع الشعبي سلاح يستخدم عند اللزوم، والآن الهجوم على جنوب كردفان مازال مستمراً حتي اليوم وهناك تخطيط لعمل إذاعة، ونوه إسحاق إلى أن الدفاع الشعبي هذه المرة لن يقاتل بالأسلوب القديم وإنما سيعمل بطريقة حرب العصابات التي يستخدمها العدو، والآن بلغ مرحلة متطورة من التدريب. وختم قوله الدفاع الشعبي (وقتو جا). وفي ذات السياق قال المجاهد حاتم أبو سن إن المشروع الإسلامي كما هو والجهاد ذروة سنام الإسلام، وتجدد الأحداث في النيل الأزرق وجنوب كردفان تجعلنا الآن أكثر حماساً وإذا اُستنفرنا سندافع عن الوطن، واعتبر أبو سن موضوع الجهاد مربوطاً بالأشخاص وكل إنسان له دفوعاته في الحياة، ولكن المجاهدين هم المجاهدون، الكتائب منتظمة في رفع التمام، وقال أنا الآن أحد مجاهدي كتيبة (أولي العزم) وحلقتنا تسمى حلقة الشهيد (أبو فاطمة) تضم (3) آلاف مجاهد وأميرها البروفيسور عوض حاج علي، ونائب الأمير اليسع صديق وهو من أصدقاء إبراهيم شمس الدين، واليوم سجلنا حضوراً في رفع تمام الرئيس، ونرى أن الآن هناك تعدٍ على الكرامة ممثل في الحرب على جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهم سيجاهدون نصراً للإسلام وليس للحكومة. الرئيس البشير الذي خاطب قوات الدفاع الشعبي أمس جاء إلى استاد الخرطوم يرتدي الزي العسكري وبصحبته وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين ومدير جهاز الأمن الفريق مهندس محمد عطا وربط مذكرة الاعتقال التي صدرت ضد عبد الرحيم محمد حسين بما أحدثته قواته في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وكان قد سبقه على المنصة شاعر الثورة في أيامها الأولى محمد عبد الحليم مستدعياً شعارات الثورة، وبعد أن حمد الله على أن جعلنا مسلمين ذكّر الناس بما فعلوه قبل ذلك في توريت، ودلف مباشرة إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق، ووجه الولاة أمس السبت من استاد الخرطوم لدى مخاطبته الاحتفال برفع التمام السنوي لقوات الدفاع الشعبي بولاية الخرطوم بفتح معسكرات التدريب لتشكيل قوات الردع لحسم التمرد ومن أسماهم بالخونة والعملاء في السودان. وقال: «كل ولاية تشكل لواء في قوات الردع ونريد من ولاية الخرطوم 7 ألوية بعدد محلياتها لكي نرد العملاء والخونة». وأرسل البشير مباركته لشباب الثورات العربية وخص منهم الشباب الليبي الذين خلصوا البلاد من الدور القذر للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وآخرين– على حسب تعبيره – وقال: «معمر القذافي عليه لعنة الله وآخرين نحمد الله ورانا فيهم وأدانا الفرصة نرد ليهم الصاع صاعين، وهذه رسالة لكل واحد يمد أصبعو للسودان نقطعو ليو...والبمد أضانو بنقطعها ليو». وتوعد البشير الحركة الشعبية بمعركة نهائية وهزيمة قواتها في كاودا التي وصفها بعاصمة التمرد بجنوب كردفان، وقال:«زي ما صلينا في الكرمك سنصلي في كاودا قريباً». ونبه الرئيس حكومة جنوب السودان إلى أن الحكومة السودانية جنحت للسلم وهي في موقف المنتصر، وأضاف بالقول: «وإذا نكثوا بالعهد نحن يانا ذاتنا أخوان الشهيد الزبير وإبراهيم شمس الدين وعلي عبدالفتاح وعبيد ختم ومحمود شريف، نحن قدمنا 18 ألف شهيد ومستعدين نقدم نفس هذا العدد». وكشف البشير عن مباركة المبعوث الأمريكي الخاص للسودان برينستون ليمان لخطة رئيس الحركة الشعبية بجنوب كردفان عبد العزيز الحلو للاستيلاء على كادوقلي عقب ظهور نتائج الانتخابات، وقال البشير: «باركوا خطة الحلو لكي يستولى على جنوب كردفان في ساعتين ومن بعد ذلك يدخلوا الخرطوم بعد أن يقوم الإعلام الغربي والمنظمات بالتعبئة». ووجه الرئيس انتقادات لاذعة للسياسات الأمريكية تجاه السودان التي تستخدم مبدأ «الجزرة والعصا» – الترغيب والترهيب، وقال:«جزرتكم مادايرنها لأنها مسمومة وعفنة وبايظة، وعصايتكم ماخايفين منها جربناها عشرين سنة ونحن يانا ذاتنا». ودافع الرئيس عن وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين بعد أن صدرت في حقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، وقال البشير: «بعد أن فشل المخطط في جنوب كردفان والنيل الأزرق عايزين يطعنوا في رمز القوات المسلحة لكننا ندافع عن كرامة السودان وقيادته». وأعلن وزير الدفاع الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين عن نفرة كبرى لمواجهة أعداء الله والوطن وتعيد للجهاد بريقه – بحسب قوله – ومن جانبه بعث والي الخرطوم ب(3) رسائل أولها للبشير بأن حكومة الخرطوم وكتائب الدفاع الشعبي جاهزة ليرمي بها أينما شاء ومتى ما شاء، والرسالة الثانية إلى كل من تحدثه نفسه للنيل من السودان بأننا جاهزون, وبحسب الوالي فإن الرسالة الثالثة لحكومة جنوب السودان بأن الخرطوم لا تقبل أن يُهدد أمنها بعد الانفصال.