والفكرة العالمية لأن يجيء الاحتفال باليوم العالمي للمرأة هذا العام تحت شعار (مستقبل ملهم للفتيات) فكرة موفقة إلى حد معقول، فالفتيات هنّ قائدات المستقبل وسيداته الفضليات. ومركز (سالمة) لمصادر ودراسات المرأة، المعتاد على إقامة يوم مفتوح في الثامن من مارس كل عام، بالنادي النوبي بالخرطوم يبتدع هذا العام تماشياً مع الملهم للفتيات أن يخصص جزءاً كبيراً من وقت الاحتفال المسائي للفرق الموسيقية الشبابية وما يعرف ب(المايكروفون المفتوح)، وقد كان اليوم منذ الصباح، مختلفة ألوانه من عروض أفلام وفرق شعبية ومسرح وتوزيع لجوائز الرسم للفتيات الصغيرات ومسرحية من شباب كلية موسيقى ودراما بعنوان (العنف ضد المرأة). وضد المزاج ذاك الخميس كانت فقرتا الفرق الشبابية، والمايكروفون المفتوح وما صاحبهما من قراءات شعرية وإفادات جاءت غالبيتها - إن لم تكن كلها - باللغة الإنجليزية.. ورغم أنها كانت تحاول إيصال حقيقة (أنا سوداني) بعرضها لأفكار وأقوال حول سودانويتنا بطريقة مفتقرة إلى العلاقة الموضوعية بدءاً من اللغة التي لا تتناسب مع المقام - فجميع الجمهور ناطق بالعربية حتى المتأمرك - إلى معظم الأمور الأخرى التي لا علاقة لها باليوم ولا بالمستقبل. مستقبلنا في يد الشباب لا بد، لكن هل هؤلاء الشباب الذين استلبوا ثقافياً جداً لثقافة (الراب) و(الهيب هوب) لدرجة سيطرتها على طرائق المشي والحديث وحتى السلام!؟ أم في التشبث بالماضوية بشكل يجعل منّا (دقة قديمة) في نظر هؤلاء الشباب؟ هي تركيبة ليست بصعوبة الكيمياء الفيزيائية! لكنها موازنة معتدلة لما ينبغي للشباب معرفته ومخالطته في ما يخص الثقافة السودانية دون رفض حاد للثقافات الأخرى وقد وضح هذا جلياً في فقرة الفنانة المميزة (آمال النور) وقاس البون الشاسع بين الأجيال ليس بالبعد العمري إنما بالبعد الثقافي الذي مايز بين الموسيقى المتجددة في أغنياتها وبين الصخب المصاحب لعروضهم. عروض اليوم العالمي للمرأة التي نظمها مركز سالمة بالتعاون مع حركة تمكين المرأة من أجل السلام (سويب) وتكريم للأستاذة (فاطمة القدال) كانت شاملة لكل الفئات العمرية والمزاجية هذا لا اختلاف فيه خاصة في بداية اليوم ومنتصفه، لكن الفترة المسائية التي ينتظرها كثير من أنصار حركة المرأة والناشطات والنساء عموما لما تشكّله من فرح مثالي بتقديم نماذج واعية من الكلمات والألحان - وآمال النور تعتبر أن 8 مارس عيدها الخاص!- كانت مملة حتى للشابات والفتيات اللائي قلن (إحنا جينا نسمع أمجد!) لكنه (أمجد شاكر) لم يتمكن من تسمعيهنّ إلا تهنئة بسبب الفوضى في المايكروفون المفتوح الذي قال فيه كل من ظن أنه يستطيع قول قصيدة أو أغنية وكلمة إنجليزية! (الليزس) كما تنطقها البنات، أو العدسات اللاصقة التي نضعها لتأكيد مقاربتنا للأجنبي، بتقليده تقليداً أعمى للحصول على الرضا، تباعد بيننا والصورة الحقيقية والواضحة لما هو عليه وضعنا الثقافي والإنساني، إن كنّ نساء مركز أو هامش فتيات صغيرات أم (نسوان) كبيرات! وما كان من مساء الخميس من امتعاض ملموس في الوجوه والحناجر لفقرات بعينها وأغنيات أجنبية سخيفة في مستوى الأداء والصوت لم تكن بحجم اليوم ولا الجهد الفكري والفني والبدني الذي بذله فريق مركز (سالمة) و(سويب) فهو ما يجعل القول إن (سالمة) هذا العام جات بالملامة عكس ما عوّدت وعوّلت عليه.