وردتني هذه الرسالة من الشيخ عثمان القلوباي، وهي تكتسب أهميتها من موردين عذبين اثنين؛ المورد الأول هو مشيخة القلوباب وهو مورد عذب كثير الزحام، وقديماً قالت العرب «المورد العذب كثير الزحام»، وهي تزدحم بالمآثر وتزدان بالمناصب. أسرة القلوباب التي نذرت نفسها وإمكاناتها وتاريخها للدعوة لله سبحانه وتعالى، وقد تميزت حتى في المدرسة الصوفية بأن لا وطن للدعوة عندها، وشيخنا عثمان القلوباوي «في كل بلد سواله ولاد»؛ أعني مريدين وأحباباً وعماراً للعلم وحلق القرآن، هذا الطريق الذهبي الذي بدأ من قرية «الطونية» بمنطقة أبو حمد، مروراً بمدينة القلوباب بقرى مبيريكة ثم توقف لعقود وأوقف التاريخ معه في منطقة «الدكة» بمدينة بربر، ثم ثورات أم درمان وصولاً وعودة إلى الحجاز. أما المورد العذب الآخر فهو هذه الوسطية التي خرجت هذه الرسالة «المنهج»، وذلك برغم بساطتها إلا أنها تخاطب أزمة تكاد تعصف بهذه الأمة مما لحق بها من آراء متطرفة تظهر أحياناً وتختفي حيناً آخر، فالسادة القلوباب وسط المدرسة الصوفية يشتهرون بعدم العصبية لجنس أو حتى حزب، فحزب الدعوة والوسطية والقرآن والصلح بين الإخوة في الدين والوطن هو حزبهم الكبير، أما عن الشيخ عثمان القلوباوي فحدث ولا حرج، ونحسبه أحد معلمي هذا الزمان، ومشيخة تعكف على صناعة دولة «الكسرة والانكسار». رأيت أن أنشر هذه الرسالة كما وصلتني ومن أنا لأدخل قلمي الضعيف في موكب القلوباب الهادر وما أنا إلا تلميذ في محراب مشيختكم الهيبة.. ابنكم.. أبشر الماحي.. وإلى مضابط هذه الرسالة.. رسالة في عدم تكفير أهل القبلة بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد. أقوال العلماء في عدم تكفير أهل القبلة نقلاً عن الشيخ الإمام سلطان العلماء عز الدين بن عبدالسلام أن الأصح أن معتقد الجهة لا يكفّر لأن علماء المسلمين لم يخرجوهم عن الإسلام بل حكموا لهم بالإرث من المسلمين وبالدفن في مقابر المسلمين وتحريم دمائهم وأموالهم وإيجاب الصلاة عليهم، وكذا سائر أرباب البدع لم يزل الناس يجرون عليهم أحكام الإسلام ولا مبالاة بمن كفرهم، فلا ينبغي لمتدين أن يكفّر أحداً من أهل الفرق الخارجة عن طريق الاستقامة ما داموا مسلمين يدينون بأحكام الإسلام. وكان قاطبة العلماء يقولون: لا يكفّر أحد من أهل المذاهب الإسلامية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا». وقد نص الإمام الشافعي على عدم تكفير أهل الأهواء في رسالته فقال: «لا أكفّر أهل الأهواء بذنب ولا أكفّر أهل التأويل المخالف الظاهر بذنب»، والمراد بأهل الأهواء أصحاب التأويل المحتمل كالمعتزلة والمرجئة وأراد بأهل القبلة أهل التوحيد. أعلم أن ما قررناه لك في هذه العجالة أن جميع العلماء المتدينين أمسكوا عن القول بالتكفير لأحد من أهل القبلة فنسأل الله أن ينفعنا ببركاتهم ويرزقنا بفضله وإحسانه حسن الختام. مقدم هذا البحث الإمام العالم الجليل الشيخ عثمان القلوباوي إمام وخطيب مجمع الشيخ القلوباوي الإسلامي الثورة الحارة 29 شمال