تنبأ الشيوعيون المؤسسون وفي المقدمة منهم أو تحديدا اليهودي الألماني كارل ماركس بقيام الشيوعية في الدول الصناعية حيث الطبقة العاملة التى يستغلها الرأسماليون ويحققون أرباحهم الطائلة عن طريق نظرية فائض القيمة. لكن الشيوعية كما قالوا قامت أول ما قامت في دولة غير صناعية هي روسيا في عام 1917م ولم تقم في أي من البلدان الصناعية مثل المانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية ثم تحققت الشيوعية في الصين أواخر أربعينيات القرن الماضي ولم تكن الصين في ذلك الوقت دولة صناعية. وكان الصينيون واقعيين عمليين ولذلك فإنهم لم يفكروا في إقامة ديكتاتورية الطبقة العاملة أو البروليتاريا فقد كان المزارعون هم الطبقة الأكثر إنتاجا في الصين. وفي السودان في الأربعينيات والخمسينيات مثلا كان السودان بلدا زراعيا يعتمد اقتصاده على مشروع الجزيرة ولو أن الشيوعيين السودانيين كانوا واقعيين يعبرون عن المطالب الحقيقية لمجتمعهم لكان اهتمامهم بالمزارعين أكبر من اهتمامهم بالعمال لكنهم من باب تقديس النصوص القادمة من وراء الحدود والبحار قدموا العمال على المزارعين ألم يقل كبيرهم يا عمال العالم اتحدوا. ولذلك كان أحد أشهر شعارات الشيوعيين السودانيين منذ عوض عبد الرازق وعبد الخالق محجوب حتى محمد إبراهيم نقد بل حتى يوم تشييعه من أيام هو عاش كفاح الطبقة العاملة. والعمال على العين والرأس لكننا حتى الآن لا نعد بلدا صناعيا ليكون العمال هم الطبقة الأهم والأكثر إنتاجا لكنه نقل المسطرة وكان الرئيس نميري يصفهم بأنهم ريكوردرات يقولون نفس الكلام وكان في باله واقعتان حدثتا في الأيام الأولى بعد تقلده للسلطة فقد أمضى معه الليل بطوله شيوعيان من أصحابه أحدهما الراحل محمد إبراهيم نقد وكانا يعيدان ويكرران كلاما واحدا خلاصته لقد استوليتم على السلطة وناديتم بالاشتراكية وإلى هنا انتهت مهمتكم والدور الآن على الاشتراكيين ليحققوا الاشتراكية. أي أن الشيوعيين البارزين والاخر هو قريب الله الأنصاري طلبا من نميري أن يبتعد هو ورفاقه الضباط من الحكم ليتولاه الحزب الشيوعي وطبعا رفض نميري الطلب الغريب. ثم نرجع إلى الشعار الشهير الذي رفعه الشيوعيون قبل أيام في مقابر فاروق بالخرطوم وهم يودعون الأمين العام للحزب الأستاذ نقد مثواه الأخير شعار عاش كفاح الطبقة العاملة ونكرر كامل تقديرنا لهذه الطبقة فردا فردا لكننا نسأل لماذا الطبقة العاملة وحدها لماذا لا يهتفون (عاش كفاح المزارعين وعاش كفاح الرأسماليين الوطنيون وعاش كفاح المثقفين وعاش كفاح الجنود والضباط) فالمجتمع مكون منهم جميعا وليس من العمال وحدهم. ويقولون إن ديكتاتورية البروليتاريا أي العمال لم تتحقق قط في أي من البلدان الشيوعية فالديكتاتورية التي تحققت مثلا في روسيا في الفترة من عام 1917م إلى عام 1924م لم تكن ديكتاتورية بروليتاريا وإنما كانت ديكتاتورية مثقفين على رأسهم لينين وتروتسكي وفي عهد ستالين الذي استمر من عام 24 إلى عام 1953م كانت ديكتاتورية فرد وفي ما بعد استحالت إلى ديكتاتورية الأمين العام للحزب ومعه أمنيون وبيروقراطيون وأقارب. ويرجو البعض أن يتحرر الحزب الشيوعي السوداني في عهده الجديد من عبادة النصوص القادمة من وراء الحدود والبحار وأن يبتكر برنامجا مؤسسا على ما هو موجود في البلد وأن يضيفوا جديدا إلى الفكر الإشتراكي.