في فبراير 2011 باغت مبارك الفاضل الساحة السياسية بإعلانه حل حزبه والاندماج الفوري في حزب الأمة القومي دون شروط بعد عشرة أعوام من القطيعة مع غريمه وابن عمومته الصادق المهدي، ومع تقادم الأيام والأسابيع والشهور ظلّ الحال كما هو، يحكي (قصّة حزبين) خلافاً لأمنيات الأنصار المعطّلة. مع إعلان موعد انعقاد الهيئة المركزية للحزب - صاحبة السلطة الأعلى بعد المؤتمر العام - ازدادت الشّقة بين الطرفين بعد أن تعثرت محاولة التحاق مبارك وشيعته بها، ليجد (الإصلاحيون) أنفسهم بعيدين كل البعد عن أيّة مؤسسة تمكّنهم من المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار لحزب تفرّق دمه بين الأحزاب والحركات، وتتلبّس الضبابية موقفه السياسي، وتعالت فيه أصوات الإصلاح كما لم تتعال من قبل، فلا هم أعضاء في المكتب السياسي ولا الهيئة.. وربما الحزب..!! (الأهرام اليوم) جلست إلى مبارك الفاضل لتشخيص الواقع الحزبي قبل 48 ساعة فقط من إنعقاد المركزية .. بعض توقعاته سارت كما هي وبعضها جرت مآلات الامور فيها بغير ما توقع ، آثرنا أن ننقل إفادته كما هي: أمريكا تساند الحكومة في مواجهة تحالف (كاودا) والجنوب عبدالرحمن الصادق لايمتلك علاقات اجتماعية مع الأنصار.. وفي وفاة عمته البشير سبقه في العزاء!! * مبارك الفاضل * هناك همس عن علاقة خاصة بينك والترابي، أهي قديمة أم استثمار لسوء العلاقة بينه والصادق؟ - أنا لم ألتق الترابي منذ الانتخابات، واختلفنا في موضوع مقاطعة الانتخابات و(شاكلني) في صالونه لأنه مصرّ على أن الانتخابات نزيهة وما نقاطع، وأنا قلت ليه ما في انتخابات نزيهة، ومنذ ذلك الوقت لم ألتقه. * ولا مجموعة من طرفك التقت بمجموعة من طرفه؟ - ولا ناسي لاقو ناسه، وما في خصوصية في العلاقة ونحن نلتقي مع القوى السياسية وبيننا علاقات أسرية نحافظ عليها والترابي نفسه مسؤول مسؤولية كبيرة عن الواقع الحالي وصحيح أنه (كتر خيرو) اعتذر للشعب السوداني واعترف بخطئه، لكن المسؤولية قائمة وهو يمثل جيلا خلافيا في السياسة السودانية ونحمد له أنه الآن يريد أن يتنحى وهذا قرار سليم أن يتنحى ويصبح بعد ذلك راعيا وزعيما ويعطي حزبه فرصة للتجديد، والمشكلة في بقاء القيادات لفترات طويلة أنهم يحملون أحزابهم تبعات سياساتهم وقراراتهم وهذا ليس في السودان فقط بل كل العالم، مثلا توني بلير اتخذ قرار الحرب على العراق والقرار أثر على حزب العمال، اضطر هو يتنازل وعمره 47 عشان ما يؤثر على الحزب في الانتخابات لأنهم محمِّلنه مسؤولية قرار الحرب، ومع ذلك الحزب انضرب ضربة انتخابية كبيرة، وقرار الترابي دون شك قرار شجاع وصائب لأن حزبه الآن محتاج لقيادة لا تتحمل تبعات قراراته في الانقلاب، والتغيير في الغرب الديمقراطي لا يحدث اعتباطا لأن الأساس هو التنظيم والمؤسسات والأشخاص يتداولوا. * من جانب آخر تعيين عبد الرحمن المهدي مساعدا للرئيس هل يمكن النظر له من باب إعداده لخلافة والده في الحزب؟ - لا أستطيع أن أقول إنه يعده للخلافة، أعتقد أنه عيّن في إطار رؤية تكتيكية للصادق المهدي للتعامل مع الإنقاذ أكثر من أنه يرغب في إعداده، وعبد الرحمن في تقديري ما عنده فرصة في القيادة، ممكن بقية إخوانه تكون فرصهم أكبر، ممكن صديق فرصته أكبر، وعبد الرحمن تنقصه كثير من الجوانب فهو لا يمتلك علاقات اجتماعية مع الأنصار، ولا عضوية الحزب، وهذه مسألة أساسية في السودان أن تراعي العلاقات الاجتماعية، أن تراحم الناس وتذهب لهم في أفراحهم وأحزانهم وتتفقدهم، وحتى في الأسرة عندما يحدث شيء يأتي متأخرا، مثلا في وفاة شقيقتي عمر البشير وصل قبله للعزاء، يعني في وفاة عمته جاء وجد البشير قاعد في الفراش وسبقه في العزاء، وفي ناس كده ربنا قسم ليهم عدم الاهتمام بالمسائل الاجتماعية، وبالتالي ما كفاية أن عبد الرحمن ولد الصادق المهدي عشان يكون رئيسا للحزب، وأيضا في أسماء كبيرة في أسرة المهدي وأبنائهم، لكن ما بالضرورة يترشحوا للرئاسة، وفي تقديري عبد الرحمن ما سياسي، وهو انخرط في المسألة العسكرية واهتماماته ليست سياسية لأن السياسة تتطلب أن تقضي وقتا طويلا مع الناس وتجلس معهم وتواصلهم وتشوف قضاياهم، وليست قضية تهبط عليك فجأة من البداية، عليك أن تضحي وتخلق علاقات. * مريم الصادق معروف عنها موقفها الرافض للتقارب مع المؤتمر الوطني، وتتفق معكم على الخط، هل توجد اتصالات وتنسيق بينكما؟ - صحيح مريم لها قدرات ومواقف معارضة، لكن عمرها السياسي صغير. * أنا أقصد من ناحية التأثير على والدها؟ - لا أعتقد أن لها تأثيرا، هي عندها مواقفها ورؤاها لكن في الفترة الأخيرة وضع شقيقها عبد الرحمن أثر على دورها السياسي، وفي تقديري الرباط الأسري غلب على الموقف السياسي، ولو بتلاحظ حتى كتابات رباح لم تواجه فيها موقف عبد الرحمن، لأن الرباط الأسري عندهم أهم من الموقف السياسي، لذلك مريم انسحبت من الساحة وأنا لم التقها قريبا، لكن في تقديري انسحابها له علاقة بموقف أخيها. * انسحبت أم سُحبت؟ - لا، انسحبت، وهي الآن غائبة عن الإعلام. * ومن الذي له تأثير على الصادق المهدي في الدائرة المحيطة به؟ - عبد الرحمن الصادق. * وهل عبد الرحمن هو السبب في موقف الصادق المهدي الحالي؟ - في الحقيقة هم منسقين مع بعض في العلاقة مع النظام. * اجتماع الهيئة المركزية انعقد بمقاطعتكم، وموعد المؤتمر العام اقترب، هل شرعتم في تجهيزات للمؤتمرات القاعدية والاتصال بالمجموعات المتفقة معكم على الرؤية بغية تمريرها عبر المؤتمر العام، بوصفه السلطة الأعلى في الحزب؟ - التجارب دلت على أن المؤتمر العام لا يعقد في مواعيده والهيئة المركزية نفسها كان يفترض أن تنعقد قبل ثلاث سنوات، أي تخلفت عن ثلاث اجتماعات لأنها مفروض تجتمع سنويا، ولكن الاجتماعات تخضع لرأي الرئيس، ما في آلية لتحديد ذلك ونحن عندما اختلفنا في العام 2002 كان من الأسباب الرئيسية موضوع المؤتمر والصادق يتحجج بالوضع المالي، وكان ينبغي تُشكَّل لجان (وبعد داك خليهم يجوا يقولوا فشلنا في جمع المال) وأنا في تقديري المؤتمر لن ينعقد إلا إذا حدثت ظروف في البلد، وإذا جاءت الانتخابات سينعقد للترتيب للانتخابات العامة، ولا يمكن أن ننظر له قبل سنتين أو ثلاث. * أليس بإمكانكم الضغط لعقده في مواعيده؟ - لأنه لا توجد آلية قانونية لفعل ذلك، اللهم إلا تعقده بدون الرئيس مثل المؤتمر الذي عملناه سابقا، وبالتالي انقسام، لكن حاجة تجبر الرئيس عشان يعمل مؤتمر ما في. * هل ستكتفون بالانتظار أم تنوون تكرار تجربة مؤتمر 2002؟ - الأمر خاضع لمشاورة القيادات والمجموعات التي قررت أن تتوحد، وهم إلى الآن يتباحثون حول الموقف، والشيء المتفق عليه جمع الشمل والوحدة وحزب فاعل وخط سياسي يلبي تطلعات الجماهير، أما الآليات والأوعية فلم نتفق عليها وسننتظر بماذا ستخرج الهيئة المركزية، وباب الحوار إلى الآن لم يغلق، وحتى الطرف الآخر لم يغلقه، والقرار هو قرار جماعات كبيرة بالحزب تتشاور حول الأفضل، والبلد الآن فيها تطورات سياسية قد تسبقك وتفجر مواقف وتفرض عليك موقفا آخر. * ما هو البعد القانوني لحزبكم بعد حله عند مجلس الأحزاب، أم اكتفيت بإعلان الموقف السياسي واحتفظت بالوضع القانوني للظروف؟ - أخطرنا المجلس بأننا في إجراءات دمج مع حزب الأمة القومي. * أكثر من 15 شهرا وأنتم مكتفون بإخطار؟ ألا يعد ذلك خطوة تكتيكية؟ - لا، المجلس رد علينا بأن الخطوة تتفق مع قرارات مؤتمرنا وأجهزتنا، وهي أن موضوع الوحدة مسألة إستراتيجية، والعملية عملية (بروسِّس) ما حاجة واحدة، وقانونيا موقفنا صحيح والمجلس رد علينا بأن موقفنا سليم بناء على إيداعنا لقرارات أجهزتنا عنده وعندما نخلص من عملية الاندماج الكامل سنخلص من أي تبعات قانونية. * سبق أن نصحت الصادق بأن يتنحى من قيادة الحزب ويكتفي بإمامة الأنصار إن كان مصرا على موقفه الذي تصفه أنت بعدم الوضوح، أليس هذا تناقضا باعتبار أن الحزب أصلا يرتكز على الطائفة؟ وما معنى أن يكون موقف الأول مصادما وواضحا وموقف الثانية وهي الأصل ضبابيا ومائعا؟ - الصادق بوصفه إماما للأنصار يعتبر نفسه من كبار الحكماء في السودان وشخصية رمزية لها مكانتها، لذا يريد أن يرفع نفسه عن الصراع، وهذا مشروع، ويتم في شخصه بناء على اعتباراته المختلفة، لكن الحزب أداة للصراع، وعندما يحتدم الصراع لا يستطيع أن يحيِّد نفسه، وعشان ما نخلط بين وضعه وموقف الحزب، نحرجه، عليه أن يميز ذلك وعندما وقع انقلاب نوفمبر عبد الله خليل كان يرى في خطر تدخل واستدعى الجيش، والإمام عبد الرحمن كان يرى أن رؤية خليل سليمة لأن الاتفاق كان صياغة دستور دائم خلال ستة أشهر وعقد انتخابات والإمام عبد الرحمن باعتباره كبير السودان وزعيما دينيا أصدر بيانا وأيد فيه عبود باعتبار أن ذلك يجنب البلد التدخل ويسمح بتجاوز الصراع السياسي حول الدستور، والسيد صديق الذي كان رئيسا للحزب رفض هذا الموقف واتخذ موقفا معارضا وبعدها بأشهر توفي الإمام عبد الرحمن وأصبح صديق إماما وزعيما للجبهة الوطنية المعارضة للنظام، أي أن ذلك في تاريخنا موجود، والحزب مفروض يعبر عن جماهيره وليس قيادته، ومثل هذا الوضع يظلم الصادق المهدي والحزب، وهذا حادث فعلا لأنه توجد الآن (مدفعية تقيلة على الصادق) والحزب يعاني من انقسامات بسبب هذا الوضع. * وما هي نصيحتك للصادق الآن؟ - أنا قلتها له أن يجمع الشمل ويقود حزبا موحدا وفاعلا لقيادة التغيير في الوطن. * سيد مبارك، دعنا نعبر إلى ما وراء البحار، أنت تمتاز بعلاقة مع الأمريكان يعتريها الغموض، والبعض يدينك بها، ما توصيفك الشخصي لهذه العلاقة؟ - طبعا أمريكا دولة مفتاحية في العالم وأي سياسي لا بد أن تكون له صلات مع الأمريكان، وهم إدارات تتعاقب وليست إدارة واحدة، ونحن بدأنا صلتنا المباشرة بأمريكا أثناء المعارضة في إطار (لوبي) لحصار النظام في قضايا حقوق الإنسان والحريات، وأول دعوة وصلتنا من الرئيس كارتر لعقد المائدة المستديرة حول السودان في مركزه، والنظام قاطعها، وأتى لنا بموظفين من سفاراته، وأمريكا ليست فقط الإدارة لأن فيها مراكز دراسات ومراكز لها تأثير على القرار، وبها معاهد وجهات كثيرة مهمة، وأمريكا مسرح سياسي كبير وأية حركة سياسية، وسياسي، يفترض أن يكون له فيها علاقات، ونحن صلتنا بهم بدأت بلقاء المسؤولين في السفارة ويجلسون معنا كوزراء ومسؤولين ومعارضين يريدون معرفة خطنا السياسي ومواقفنا وكذا، وأمريكا هي التي أنهت الحرب في الجنوب، وهي التي أنهت الانفصال بالسلام في البداية وتتدخل الآن للملمة الأطراف. * تقييمك لموقفها من الخرطوم الآن سلبي أم إيجابي؟ - الإدارة الأمريكية ما عندها سياسة، والديمقراطيون دائما يتخذون موقفا سلبيا لوجود خلافات داخلهم، وفي فترة كلينتون كان هناك خلاف ما بين وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، لذا ظلت السياسة تجاه السودان مجمدة رافضة للموقف وليس لها موقف إيجابي، والآن أوباما أيضا سياسته ضبابية تجاه السودان، وتوجد لوبيات وفرضيات لا يستطيع أن يتجاوزها، لذا لا يستطيع أن يرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولا رفع الحظر التجاري، لأنه توجد شروط لم تستوف بعد وهو لا يستطيع مواجهة هذه اللوبيات والمجلس التشريعي والكونجرس وكذا. * وأين هو قرار الحزب الديمقراطي مع هذه اللوبيات؟ - هناك يوجد رأي عام في الحزبين، ولا يستطيع تكسيره، لأنه توجد متطلبات، النظام هنا لم يستوفها ولا بد أن يمررها الجميع هناك، وأمريكا الآن مساندة للخرطوم في مواجهة تحالف كاودا والجنوب. * وبماذا تدلل على هذه المساندة؟ - اتصال أوباما الأخير بسلفاكير كان مساندا للخرطوم، وفي تقديري الإدارة الأمريكية ما عندها سياسة تجاه الخرطوم وعشان الضغط بتاع الرأي العام ترسل مبعوثيها للاستماع والتحليل، وعندما يسألهم الكونجرس يفيدونه، وذهنية الإدارة الأمريكية الآن (السودان ده شوفوا ليهو حاجة تلمو) مثلا دول المنطقة تعقد مؤتمرا لحل مشاكل السودان لكن ما قايدين موقف. * ولكن الحكومة تتهم واشنطن بعرقلة مؤتمر إسطنبول؟ - مؤتمر إسطنبول أصلا ما كان حينعقد وهو (دقسة) من الخرطوم، لأنه لا النرويج التي دعت للمؤتمر ولا الاتحاد الأوروبي كان ممكن يشاركوا وهذا الكلام أخبرونا به منذ العام الماضي، وأننا سنظل نؤجل المؤتمر تفاديا للحرج، لكن ما بنقدر نعمل مؤتمر في ظل حروب وانقسام في السودان. * من الذي أبلغك؟ - الاتحاد الأوروبي. * من بالتحديد؟ - مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أخبرونا بأنهم لن يستطيعوا المشاركة في مؤتمر مثل هذا، والقضية التانية الخرطوم نفسها ما عارفة طبيعة المؤتمر، لأنه ما كان حيديها قروش ولا يعفي الديون بل مناقشة السياسات الاقتصادية المطلوب من السودان أن يتخذها، ومشكلة الحكومة أنها قرأت العنوان وما شافت المحتوى، وأنا التقيت بمسؤول حكومي مهتم بالجانب الاقتصادي قال لي عليك الله كلم الناس ديل يعقدوا المؤتمر عشان نحن عايزين ناسنا ديل يصححوا سياساتهم الاقتصادية ودايرين زول يناقش هذه القضايا وينصحهم لأننا نحن هنا فترنا من النصيحة، وبالتالي الحكومة فهمت المؤتمر غلط وعشان يتم دعم الحكومة ماديا ويرفع الحظر أولا يوجد موضوع إعفاء الديون، (الهيبك) له شروط منها أن تكون لك خطة لمكافحة الفقر، وتم إرسال خبير للخرطوم وضع الخطة، والمطلوب الثاني نظافة سجل حقوق الإنسان، والمطلوب الثالث أن يكون عندك حكم رشيد، تحترم الحريات والحقوق، وعندك تداول سلمي للسلطة، وإذا لم تستوف هذه الشروط لن يكون هناك إعفاء، وعملية الإعفاء نفسها تستغرق ثلاث أو أربع سنين وبعدها يتم تقديمك لمؤسسات التمويل الجديدة، وعشان كده أنا بقول إن الحل الاقتصادي هو حل سياسي في المقام الأول، أي أن تحل المشاكل السياسية وتنهي الحروب والصراع الداخلي عشان تستطيع أن تتصالح مع المجتمع الدولي. * هل للأزمة الاقتصادية الحالية حل منظور من وجهة نظرك؟ - الحل كما أسلفت سياسي عبر التحول الديمقراطي وإنهاء الحرب لكي نتدارك استنزاف الميزانية في الصرف الأمني وحراسة النظام وتحويل الأموال للإنتاج والخدمات وهذه بداية الحل.