* بعد رحيل فقيد البلاد وفقيد الحزب الشيوعي السوداني الأستاذ محمد إبراهيم نُقد، سألت بعد الإخوة المهتمين بشأن اليسار، وهذا بلا شك سؤال الكثيرين من المهتمين بالشأن السياسي ومن غير المهتمين أيضاً، فقلت ماذا أنتم فاعلون بعد ذهاب هذه الشخصية الرقم، وهنا كنت أقصد - وهم يعلمون ذلك - هل للفكر الشيوعي من مكان وسط هذه المتغيرات الكبيرة والصغيرة في العالم، وعلى وجه التحديد المتغير على الخارطة السياسية السودانية، خاصة وأن السودان الآن به أكثر من ثمانين حزباً ومجموعات هنا وهناك بلا اتجاه سياسي، كان رد هؤلاء المثقفين اليساريين أنهم منذ فترة، فتوقفت في كلمة فترة وعادت بي الذاكرة إلى العام 1986م فعلمت أنهم يقصدون منذ ذاك الزمان، المهم قالوا إنهم أي منذ ذاك الزمان غير مهتمين بأي انتخابات قد تأتي بهم أو لا تأتي في أية مرحلة من المراحل السياسية في السودان بقدر ما هم يركزون على برامجهم، بمعنى أن أي حزب يمكن أن ينفذها، ولكن يبقى السؤال من هو القادم بعد الراحل نُقد. هذا النقاش عاد بي كما قلت بالذاكرة إلى فترة بعيدة، فأذكر هنا أنني سألت ذات يوم من أيام الديمقراطية الثالثة الراحل الشريف زين العابدين الهندي الذي كان وقتها أميناً عاماً للحزب الاتحادي الديمقراطي، وكان وقتها أيضاً وزيراً للخارجية. المهم نرجع للسؤال قلت للشريف في حوار أجريته معه إن الشارع الاتحادي والمراقبين السياسيين يقولون إن اليسار قد تمكن من الحزب وموجود بينكم والخوف أن يعلو عليكم، كان ذلك في العام 1987م، أجاب الشريف زين العابدين قائلاً: وبالحرف الواحد (اليسار يعلو فينا ولكنه لا يعلو علينا). هذا كان الحال بالأمس والذي جعلني أربط النقاش الجديد بذاك السؤال وتلك الإجابة مع العلم أن تلك فترة قد ذهبت لحالها، غير أن نفس الأحزاب ما زالت هي الأحزاب بل زادت عدديتها، فهل نحتاج لأن نتوجه بهذه الاستفسارات لعدد من الأحزاب، الأسئلة والإجابات متروكة مستقبلاً لفطنة السياسيين في كل الأحزب. * استقالة وزير الصناعة حقيقة أنا سعدت وأكبرت فيه هذه الخطوة مهما كانت الأسباب والدوافع، لسبب جوهري هو أن ثقافتنا لا تعرف فقه الاستقالة بل تعرف الإقالة. فمنذ فجر الاستقلال وحتى الآن وفي كل الحكومات المتعاقبة يندر جداً أن تجد وزيراً يستقيل من تلقاء نفسه وليس وزيراً فقط بل حتى مدير عام (مهما قامت الدنيا أو قعدت كما يقولون). ففي عهود سياسية سبقت هناك وزراء يُطلب منهم رسمياً تقديم الاستقالة ويرفضون إلا بعد الضغط والإرغام. وليس هذا فقط بل حتى عند الروتين الطبيعي لتكوين حكومة وحكومة يخشى الذي يتقدم باستقالة من أن لا يأتي. في أواخر عهد الديمقراطية الثالثة مثلاً وتحديداً حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت من الأمة، والاتحادي، والجبهة الإسلامية القومية.. كانت الحكومة السابقة لها هي حكومة ائتلافية بين الأمة والاتحادي الديمقراطي، وحتى يتم التشكيل الوزاري الجديد لحكومة الوفاق الوطني كان الروتين أن يستقيل جميع وزراء الحكومة السابقة (الائتلافية) ويتبع ذلك استقالة ليوم واحد لرئيس الوزراء في ذاك الوقت، ولكن كانت المفاجئة أن استقال الوزراء لعدة أيام ولم يستقل رئيس الوزراء إلى أن تشكلت الحكومة الجديدة (حكومة الوفاق الوطني) فلم يستقل حتى جاء هو نفسه على رأس الحكومة. أيضاً هناك وزراء في الفترة الأخيرة مروا على الوزارات وواجهوا العديد من المشكلات وواجههم البرلمان، فلم يستقيلوا البتة، لذا كان لا بد أن نشيد بثقافة الاستقالة