* دفعت أمس الأول بمقالي (جمهورية القضارف) إلى الصحيفة وانصرفت، ثم يهاتفني عند التاسعة الأستاذ عبد الماجد رئيس التحرير من بادية كردفان وهو يتجول مع السيد نائب رئيس الجمهورية الدكتور الحاج آدم يوسف، يرجوني أن أنوب عنه نهار اليوم التالي في لقاء السيد والي القضارف برؤساء التحرير، فرأيت أن أسحب مقالي (جمهورية القضارف) الذي صنعته (عن بعد) حتى أتمكن من الوقوف (عن قرب) من وال هو أكثر إثارة للجدل، وربما يكون أكثر الولاة تمويلاً (للخطوط الصحفية الحمراء)، فإذا ما جلس السيد كرم الله إلى مؤتمر صحفي، اعلم أنه سيعتقل كل صحافة الخرطوم في (اليوم التالي). * كنت أنا وعقارب الساعة حضوراً عند الثانية بعد ظهر الخميس أمس الأول عند مدخل فندق (السلام روتانا) بالخرطوم، فندق خمس نجوم، لوالٍ سبع نجوم، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، فكرم الله عباس من الولاة ذوي (الوزن الثقيل)، والٍ بماكينة رئيس جمهورية، فشعرت أني لم أكن ظالماً أو مظلوماً وأنا أعنون لمقالي (المسحوب) بجمهورية القضارف، وبلغة العساكر (والي مالي قاشه)، قال إنه زاهد في الحكم، لكنه في المقابل لن يقدم استقالته في هذه الظروف لتبدو كما لو أنها (التولي يوم الزحف). * كرم الله عباس والي ولاية القضارف ذو الجذور الرباطابية، ولد وترعرع بولاية القضارف، وهو الرئيس التاريخي لمزارعي ولاية القضارف، كما إنه قد رأس يوماً (اتحاد مزارعي السودان) ثم ترأس مجلس تشريعي ولاية الخرطوم لمدة ست سنوات قبل أن يتوج مسيرته والياً لولاية القضارف منتخباً من شعب الولاية. يخوض السيد كرم الله معارك جهيرة وشهيرة مع خصوم مدرسته السياسية التي لا تقبل الاستكانة. * جلسنا ظهيرة الخميس لأربع ساعات نستمع لمرافعات ودعاوى وفتاوى وأطروحات السيد كرم الله وهو يقوم بعمليات (جلد قاسية) لأدبيات وممارسات سودانية في كل الاتجاهات، قال: ذهبت لدولة إسبانيا بغرض الاستشفاء ولبثت عشرين يوماً أخضع لفحوصات قبل أن أعطى العلاج، وفي المقابل إذا دخلت أي مشفى سوداني تخرج من غرفة الطبيب إلى غرفة الدواء مباشرة، ففي ربع ساعة يمكن أن تخرج وأنت تحمل دواءك. وقال أيضا إن الزراعة في الدول المتقدمة التي تتبع الدورات العلمية والتقنية، الفدان يعطي أربعين جوالاً، بينما في السودان يعطي جوالين اثنين، وقال إن الزراعة في ولايته هذا الموسم صفر كبير ورسم لوحة قاتمة للأوضاع الصحية والتعليمية في ولايته التي تحاصر بالدرن والسل والمسغبة والفقر. * ومن المفارقات الشاهقة، قال إنه ترعرع في مدرسة الحركة الإسلامية إلا أنه امتدح الكادر الشيوعي الحاج وراق وأسرف في مدحه وقال إنه في إحدى المرات اضطر أن ينتظره خارج المسجد لأنه يطيل السجود، على أن سجدة واحدة لوراق تعدل ركعات الشفع والوتر عند كرم الله. بدا الرجل كريماً وهو ينفق حزمة من (الشهادات التقديرية) لمناهضي مدرسة المؤتمر الوطني الذي هو رئيسها الأول بولاية القضارف، قال إن والده أنصاري وهو (ذات نفسه) أنصاري وسيذهب بعد اللقاء للإمام الصادق والمجاهد حسن الترابي لأجل لم الشمل الوطني. * كان صديقنا الدكتور فتح الرحمن الجعلي، وزير ثقافة السيد كرم الله ومقدم البرنامج، كان رائعاً وموفقاً في سماء (السلام روتانا)، عالي الترطيب وسط أجواء الخرطوم المسخنة بجراح (هجليج) الجريحة، من جهتهم امتدح الصحفيون وعلى رأسهم الأساتذة حسين خوجلي وفتح الرحمن النحاس مدرسة السيد كرم الله الولائية (الجانحة والمتمردة) المتفردة. مخرج.. تمنيت لو يوجه السيد كرم الله إمكاناته الهائلة و(ماكيناته) إلى الأرض ويدير معركته الحقيقية التي هي الإنتاج ولا يشغله الآخرون ويصرفونه عن (كونه تربالاً) ووالياً مزارعاً