* سجَّلت القوى والأحزاب السودانية موقفاً وطنياً يدعو للفخر والإعجاب بطريقة أهل السودان في إدارة فن الخلاف السياسي بينهم.. لحظات وطنية صادقة تلك التي ظللت زيارات وفود ورموز الأحزاب إلى مستشفى السلاح الطبي لمواساة ومساندة جرحى العمليات البطولية في هجليج.. ما نعيشه هذه الأيام من تلاحم بين قوات الشعب المسلحة وفئات الشعب السوداني المختلفة يعد صفحة جديدة من صفحات هتافنا الخالد ((جيش واحد.. شعب واحد)). * طيلة سنوات الحرب التي خاضتها القوات المسلحة وكتائب الدفاع الشعبي في جنوب السودان كانت المؤازرة السياسية والمشاركة من القوى والتنظيمات المعارضة للحكومة ضعيفة.. وتقترب أحياناً من درجة الصفر، إذ ظلت هذه القوى السياسية المؤثرة تنظر لما يدور من حرب من زاوية الدفاع عن السلطة المركزية في الخرطوم.. وقالت هذه الأحزاب بلسان الفعل إن حكومة الخرطوم تقاتل الحركة الشعبية في جنوب السودان وجبهات القتال الأخرى انطلاقاً من موقف حزبي لا علاقة له بقضية الوطن الكلية.. بل إن شباب وشيوخ أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي شاركوا مع الحركة الشعبية في القتال ضد حكومة الجبهة الإسلامية كما كانوا يقولون.. ويرددون. * كان أمراً غريباً أن تتخلف الأحزاب عن زيارة الجرحى ومواساتهم.. بل كانت تسخر من حملات التعبئة والاستنفار التي تنظمها الحكومة.. لكن ما لم يكن ظاهراً إلى السطح هو أن دواخل هؤلاء المعارضين كانت ممزقة.. ومشتتة.. فهم من جهة ينظرون بإعجاب باهر لشجاعة شباب وشيوخ الإسلاميين ومن ساندهم من الوطنيين للدفاع عن الأرض وحدود البلاد في أدغال الجنوب القاصية والقاسية.. ومن جهة أخرى تمنعهم المكابرة من إعلان ما يخفون من تعاطف تجاه جيش السودان ومسانديه من قواعد وقيادات حكام السودان الجدد!! * اليوم نرسم جميعاً لوحة تُعاش ولا تُحكى في سبيل الوطن.. تنازل الجميع عن ألوان طيفهم الحزبي.. وتدثروا جميعاً بلون الوطن والتراب الواحد.. اليوم نتلقى جميعاً درساً في الوطنية.. ملخصه أن الوطن أكبر منا جميعاً.. أعلى مقاماً.. وأرفع هامةً.. في حضرة الوطن نجلس جميعاً بتأدُّب.. وتواضع.. نرمي وراءنا كل ما حملناه من أحقاد وضغائن مزقت دواخلنا وخصمت من رصيد التسامح فينا!! * ما يحدث اليوم درس سوداني خالص في التربية الوطنية.. بأن الوطن أكبر من الجميع.. وأنه سيبقى شامخاً وعزيزاً مهما تطاول عليه الصغار وجحدوا فضله وكرمه وحنوه عليهم!! * مواقف كثيرة تستوقف المتابع للمشهد السياسي السوداني هذه الأيام.. أول هذه المشاهد وأهمها على الإطلاق أنه ليس بمقدور حزب واحد أو جماعة واحدة أن تحمل على كاهلها هموم ومشكلات السودان.. ليت أحزابنا الكبيرة وفي مقدمتها المؤتمر الوطني تعي وتدرك بصدق أن مصائب هذا الوطن لا تحلها جماعة واحدة.. ولا حزب منفرد مهما تسلح بسلاح القوة والمنعة المادية والجماهيرية.. وليت هذه القوى تعي وبصدق أن متغيرات كثيرة قد جرت ((تحت التبن)).. والدرس المستفاد من هذا أننا مدعوون لإعادة قراءة مواقفنا الحزبية.. سنكتشف أنها أقل قامة من وطننا الكبير!! * كل هذه الحروف مقدمة لرسالة صادقة ومخلصة للدكتورة مريم الصادق المهدي.. ابنة الإمام أثبتت أصالة معدنها الوطني وهي تقف بصلابة في وجه الرافضين لإدانة التدخل الأجنبي في هجليج.. مريم كانت خلف زيارة والدها الإمام لجرحى العمليات بالسلاح الطبي.. ووقفت وتقف الآن بصلابة في وجه المتخاذلين عن إدانة العدوان الغاشم.. التحية لمريم وهي تضع مسافة واضحة بين حبها للوطن.. ومعارضتها لحزب المؤتمر الوطني