* إلى متى يظل هؤلاء الإخوان نظاف الثياب، (نظاف النصوص)، نظاف المنابر والفضائيات؟ فيفترض أنهم بعد ذلك (يتعفَّرون بالتراب) ويتجاوزون مرحلة (طلاب علم) وحملة نصوص إلى مرحلة طلاب شهادة وحملة أسلحة. * فأية جماعة ومدرسة إسلامية بعد ثلاث عشرة سنة من ممارسة الدعوة، يفترض إنها تدخل إلى مرحلة «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير».. مرحلة تطبيق النصوص على الأرض.. وهي المدة التي انتقل فيها الرسول «صلى الله عليه وسلم» إلى مرحلة التجريب والتطبيق. وتزداد حاجتنا إلى هذه المساندة الفعلية، واليهود يطرقون أبواب مدينتنا من الخلف. يا ترى فهل نسمع بعد هذه الأحداث كلاماً عن تشكيل الألوية .. (لواء الشيخ العلامة الدكتور عبد الحي يوسف) و(لواء المجاهد محمد عبدالكريم) وحتى (لواء مدثر إسماعيل) و(لواء علاء الدين الزاكي)، وذلك لإحياء هذه الفريضة الغائبة عملياً لا فتاوى ودعاوى، بل أن يكون موقعهم الطبيعي والطليعي هو(ذروة سنام الإسلام). * صحيح أن إخواننا هؤلاء يساندون على الدوام المجاهدين بالدعوات والقنوت والتحريض، غير أني أود أن تكون ذات الشوكة لهم، «وَفَضَّل اللَّهُ الُمَجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَة».. وربما تسعفني تلك الأبيات الجهيرة فتسند فكرتي وترفد وجهي والتي يقول مطلعها: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمتَ أنك بالعبادة تلعبُ فمن كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضَّبُ وقوله تعالى «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَّةَ الَحاجِّ وَعِمَارَةَ الَمسَجِدِ الحَرَامِ كَمَن آمَنَ بِاللَّهِ ِوَاليَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّه وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِِمِِينَ). رأيت أن أقول إن أكبر قضيتين تشغلان المسلمين في السودان الآن لدرجة تقويض أشواقهم وتحطيم تماسك دولتهم، هما قضيتا (مدافعة العدو ومدافعة الفقر). فمدافعة الفقر تستوجب النزول إلى الأرض بتشكيل الجمعيات (ومشروعات الأسر المنتجة) وتأسيس المشروعات الإنتاجية الكبيرة التي تستوعب المزيد من العمالة. فالإخوان السلفيون في الخليج والجزيرة العربية، أتصور أنهم جاهزون للانتقال من مرحلة بناء المساجد إلى مرحلة إنتاج (رغيفات يسندن صلبنا)، وكما يُقال (فإن الجوع كافر). فلئن عدمنا الخبز فتترتب على ذلك مخاطر كبيرة، وفي المقابل لو عدمنا مسجداً نستظل به، فجعلت الأرض كلها لنا مسجداً. أن ننقل ممولي الدعوة إلى المشروعات الإنتاجية الكبيرة ، وهذه هي المدة الشاهقة بين الفكر الحركي والفكر السلفي . * والقضية الثانية هي قضية المدافعة. ومعركتنا هذه المرة لا غبش فيها، فهي مع اليهود المغتصبين، ومن لم يجاهد ولم تحدثه نفسه بالجهاد مات ميتة جاهلية وأنتم تعرفون النصوص أكثر مني وأكثرمن أية مدرسة إسلامية أخرى. ولا عزة إلا بالجهاد ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. فالذي نعرفه هو أن (هجليج) لن تكون المعركة الأخيرة. فإن الحدود بين الدولتين تبلغ أكثر من ألفي كيلومتر، وأن الأجهزة النظامية الرسمية مهما بلغت من الكثرة والعتاد، فإنها لن تملأ هذه المساحات المرهقة الطويلة. فنحتاج إلى كتائب من المجاهدين. علماً بأن الجهاد مكتوب على كل الأمة إذا ما هجم العدو على بلد. إخوتي إن المسلم الذي (يعافر) ويكافح على الأرض، ويخالط الناس خير من الذي يتخذ منبراً ويهش بنصوص يحفظها جيداً على الآخرين. فنحن نبتغي دولة (خير الخطائين التوابون) .. الذين يشكلون الجمعيات الزراعية والمهن الحرفية والألوية الجهادية فيتعثرون أحياناً وينجحون. * لا يطربني أن يظل الداعية مثل (شرطي المرور) نظيفاً يوزع (إيصالات المخالفات) على الآخرين ولو أنه قاد (عربة الحياة) لأعزَّ نفسه والآخرين. فالذي لا يعمل لا يخطئ، والذي يعمل يصيب ويخطئ. * خلاصة قول أجمله في تساؤل يقلقني (ألم يأنِ للمدرسة السلفية السودانية بعد عقود من الدعوة والإرشاد و«النصوص» أن تغادر محطة «طلاب العلم» إلى محطة صناعة الحياة)؟.. أن تعمر المزارع والحقول والمصانع وساحات الفداء -أعني على مستوى الجماعة وليس على مستوى الفرد .. والله ولي التوفيق. * مخرج.. رحم الله الحركة الإسلامية السودانية ، ما كانت تتجاوز حفظ عشرة نصوص حتى تصنع منهن مصرفاً إسلامياً أو شركة أو جمعية، ثم تذهب لحفظ العشر التاليات..