مكاسب كثيرة حققها السودان بعد الغزو الطائش والخائب الذي قامت به الحركة الشعبية لمدينة هجليج.. لأول مرة منذ سنوات طويلة يحقق السودان نقطة إيجابية لصالحه.. وينتزع اعترافاً من كافة المراكز المؤثرة في صناعة القرار الدولي، التي أجمعت بلا استثناء على خطأ حكومة جنوب السودان.. بل طالبها أصدقاؤها بسرعة الانسحاب غير المشروط من هجليج.. وبأعجل ما تيسر... لم يكن هذا الإجماع الدولي على إدانة الحركة الشعبية نابعاً من موقف تكتيكي ضد بلادنا.. بل لأن الحركة الشعبية وبتصرفها هذا أدخلت مناصريها في حرج دبلوماسي بالغ.. دول مثل الصين تحدثت بمنتهى الصراحة والقوة مع حكومة الجنوب وطالبتها بالانسحاب الفوري من هجليج.. هناك جانب آخر مسكوت عنه وراء هذا الإجماع الدولي بدعوة الحركة الشعبية لسحب قواتها.. أصدقاء «الشعبية» الذين قدموا لها الدعم العسكري طيلة سنوات الحرب مع الحكومة المركزية في الخرطوم، خرجوا بنتيجة مفادها أن استفزاز حكومة البشير بالحرب والاعتداء سيجر على دولة جنوب السودان ويلات قاسية سيكون ثمنها فادحاً.. وهذا عين ما حدث في هجليج حيث واجهت جيوش الحركة المندحرة سيلاً من الجند والحشد العسكري لم تكن تحسب له حساباً.. بل لم تكن تتوقعه.. لقد نال السودان تعاطف المجتمع الدولي بأسره.. ولم ولن يلومنا أحد على الدفاع عن أرضنا وإخراج الغزاة منها بالقوة.. حققنا بفضل الله ثم تلاحم كل فئات الشعب السوداني خلف قواتنا المسلحة ما عجزنا عن تحقيقه طيلة سنوات خلت.. الآن.. وبعد طرد الغزاة من حدودنا.. الآن وبعد إخراجهم من ديارنا بالقوة.. الآن.. علينا أن نتوقف قليلاً ونتريث لندير أمرنا بعيداً عن الغضب الزائد.. وأن نعيد قراءة أوراقنا السياسية بهدوء.. وأن نحكم لغة خطابنا العسكري والسياسي حتى لا نفقد النقاط الإيجابية التي حققناها إبان أزمة هجليج.. نقولها وبالصدق كله إننا قد دفعنا ثمناً غالياً لمحاولات دول وأجهزة استخبارات عالمية هددت سراً وعلناً بإسقاط النظام في الخرطوم.. وقد عانينا كثيراً من هذا التدخل في شؤوننا الداخلية.. لا أعرف لماذا سجلت الخارجية السودانية ممثلة في وزير الخارجية وكل الطاقم الدبلوماسي غياباً عن إدارة هذه الأزمة؟!!.. الخطاب الذي يتم تداوله الآن يصلح للحماسة العسكرية نعم.. لكنه يفقدنا ما حققناه من تعاطف دولي مستحق.. إن الإعلان والتهديد بغزو جوبا سيضرنا كثيراً كدولة.. وسندفع خسائره السياسية خارجياً.. وعليه نقول لا حاجة لنا في غزو جوبا.. ولا مصلحة لنا في دخول بانتيو.. مصلحتنا الوطنية في حماية حدودنا وتوفير طاقتنا العسكرية والقتالية للدفاع عن أرضنا وعرضنا.. إن هذه المرحلة الحساسة من تاريخ بلادنا تتطلب أن نقول الحق ولو كان مراً.. ومن الحق المر الذي نقوله أن تعيد قيادة الدولة ضبط وتنسيق خطابها الإعلامي والتفكير في إدارة المعركة بصورة شاملة.. ومن الشمول الذي تفرضه المصلحة العليا للوطن أن تتكامل لغة الخطاب العسكري والسياسي والدبلوماسي.. وهذا ما نفتقده الآن.. هذا ما نراه.. اللهم قد بلغنا فاشهد