في يونيو 2010 عندما كانت العاصمة الأوغندية كمبالا توزع رقاع الدعوة لقمة الاتحاد الأفريقي من واقع استضافتها لها، لم تنس الذي بينها وبين الخرطوم وكل منهما تتهم الأخرى بدعم المتمردين عليها رغماً عن توقيع اتفاقية نيفاشا وانحسار الهلع الذي يسببه لها جيش الرب بزعامة جوزيف كوني، لذا لم تجد غضاضة تذكر في مخالفة بروتكولات الاتحاد الأفريقي المعنية وهي تعلن على الملأ الأفريقي أنها لن تدعو الرئيس السوداني عمر البشير للقمة لجهة التهم الموجهة له من المحكمة الجنائية قبل أن ينبهها أحدهم إلى موقف الأفارقة من الجنائية؛ لتسحب قرارها دون استحياء يدلل عليه أنها قدمت الدعوة مقرونة بتحرير سلطاتها لأمر قبض بحق البشير متى ما وطأت قدماه أراضيها بدعوى أنها لميثاق روما من المخلصين، وهو ذات الإخلاص الذي جعل الخرطوم ترفض دعوتها مجدداً للبشير للمشاركة في حفل تنصيب رئيسها يوري موسفيني في مايو 2011، لتسير الأمور بين البلدين على ذات الشاكلة للدرجة التي جعلت قائد الجيش الأوغندي يعلن مساندة بلاده لجوبا في حربها مع الخرطوم قبل أن يأتي وزير دفاعها وينفي ما جاء به الجنرال على رؤوس الأشهاد. ( 1 ) أمس الأول ذهب وزير الدفاع الأوغندي د. كريسبو كيونجا، إلى مباني برلمان بلاده للرد على تساؤلات لجنة الشؤون الداخلية والدفاع عن ما اقترفه قائد القوات الأوغندية الجنرال اروندا نياكاريما الأسبوع الماضي ليؤكد أن موقف بلاده الرسمي مسالم للحد البعيد، ولكيما يجد له شفاعة عند النواب أخبرهم بأن إعلان اروندا (التزام غير شرعي بالحرب دون موافقة دستورية من البرلمان). واستجواب البرلمان الأوغندي لوزير الدفاع يمكن النظر إليه من جانب البرقية العاجلة التي أرسلها رئيس البرلمان السوداني أحمد إبراهيم الطاهر إلى البرلمان الأوغندي يستفسره فيها عما إذا كان موقف الجنرال هو الموقف الرسمي لكمبالا، وهي البرقية التي تزامنت مع استدعاء وزارة الخارجية لسفيرة كمبالا بالخرطوم. ( 2 ) مرافعة وزير الدفاع الأوغندي بالضرورة لا تؤكد حياد كمبالا وعزوفها عن مناصبة العداء للخرطوم وهو قول يعضده ما كان بين البلدين من عداء معلن تحول إلى ما يشبه ذلك، طالما أن الخرطوم لا زالت عند اتهامها لكمبالا بدعم حركات دارفور واستضافتها بأراضيها علاوة على اتهامها الأخير لها بمشاركة سلاحها الجوي بجانب الجيش الشعبي في المعارك الأخيرة، ناهيك عما يعرفه القاصي والداني بأن كمبالا كانت ولا زالت تسعى إلى وراثة الخرطوم في السوق الجنوبي (البكر)، ومن فوق ذلك قدرتها على ملاحقة قائد جيش الرب وأوباشه في الأراضي الجنوبية بإذن مفتوح من حكومة الجنوب. وذات الأسباب التي جعلت كمبالا تلغي قرارها بعدم دعوة البشير إلى القمة الأفريقية التي تتصل بالأساس بموقف القادة الأفارقة، هي التي جعلتها تنفي ما جاء به قائد قواتها الذي بالضرورة يتوجب أخذ رأيه في الحسبان في بلد يحتكم أصلاً للمؤسسة العسكرية وليس المؤسسة السياسية. ( 3 ) فما أعلنه وزير الدفاع في البرلمان الأوغندي كان معطوفاً على التحركات الأفريقية الحثيثة لإنهاء التصعيد العسكري بين السودان وجنوبه وهو ما توج بقرار مجلس السلم والأمن الأفريقي في جلسته الطارئة التي عقدها الثلاثاء الماضي لتدارك الحرائق التي باتت ترسم الحدود بين أحدث جارتين، حيث ألزم المجلس الأفريقي دولتي السودان بسحب قواتهما من المناطق المتنازع عليها والعودة الفورية إلى مائدة المفاوضات، فضلاً عن طلبه إلى مجلس الأمن الدولي بدعم قراره لإجبار البلدين على تنفيذه وهو ما شرعت فيه فعلياً الولاياتالمتحدة عبر مندوبتها في المجلس سوزان رايس التي ترأس دورته الحالية بتقديمها لمشروع قرار من المنتظر طرحه للتصويت في بحر هذا الأسبوع مع العلم بأن المشروع الأمريكي يوصي بفرض عقوبات على الدولة التي لا تتقيد بتنفيذه طبقاً للمادة 41 من الفصل السابع من ميثاق المؤسسة الأممية، وكل ذلك مقروناً بالتنسيق الإثيوبي المصري الأخير لإنهاء الحرب الحدودية رغماً عن ما بينهما من شقاق. وكل ذلك يشي بأن إعلان أوغندا نفسها طرفاً في حرب يسعى المجتمع الدولي بكلياته إلى وقفها يجعلها في مواجهته وليس مواجهة الخرطوم الأمر الذي يحتم عليها سحب قرار قائد قواتها على لسان وزير دفاعها دون أن يزحزحها ذلك عن موقفها من الخرطوم وهي تمارس الانحياز مرتدية بخيلاء ثوب الحياد على مرأى من الجميع