قرار فتح تصدير إناث الماشية من القرارات ذات الخطورة، آثاره السلبية تنطوي على مخاطر تمسّ القطيع القومي وقمين به أن يفقد البلاد مورداً مهولاً ومهماً من حصيلة النقد الأجنبي الذي تنشده الخزانة العامة بشكل أكبر هذه الأيام. حظر الإناث من التصدير قرار قديم، إلا أن وزارة الثروة الحيوانية رجعت وألغته، حيث سمحت بتصدير الإناث وفقاً لشروط محدّدة، ورغم تلك الشروط إلا أنّ العديد من التجاوزات كانت تسمح بمرور إناث الإبل والهجن إلى دول الخليج وغيرها، حيث كان يسمح بتصدير نسبة 15% في الرسالة الواحدة، وارتفعت إلى 30%، ليأتي وزير الثروة الحيوانية الأسبق أبوكلابيش ويفتح تصدير الإناث على مصراعيه في العام 2008م. السؤال الذي يبحث عن إجابة؛ لمصلحة من هذا التخبّط في تنزيل القرار؟! القضية ولكونها تهم الاقتصاد السوداني كانت محل اهتمام الصحافة السودانيّة في الأيام الماضية، كما اهتمت بها المجالس المجتمعيّة. هذا القلق وجد استجابة واضحة من قبل الجهات المعنية. الأسبوع الماضي تحصّلنا في (الأهرام اليوم) على منشور بنك السودان الصادر بتاريخ 24/ أبريل/ 2012، والمعنون إلى كافة المصارف المعتمدة، الذي جاء فيه: ((بالإشارة إلى خطاب وزارة التجارة بالنمرة (و ت خ/ صادر/1) بتاريخ 15/ أبريل/ 2012م، والخاص بإلغاء حظر تصدير إناث الحيوانات وقرار مجلس الوزراء رقم (219) لسنة 2008م، الصادر بتاريخ 19/يونيو/ 2008م، والخاص بالموضوع أعلاه، نفيدكم بإلغاء منشور إدارة السياسات ببنك السودان المركزي رقم (2/2012) الصادر بتاريخ29/3/2012م، وعليه (يُسمح للمصارف بالدخول في الترتيبات المصرفية المتعلّقة بصادر الثروة الحيوانية (الإبل، الضأن، الماعز، والأبقار) إناثاً كانت أم ذكوراً. يسري العمل بهذا المنشور اعتباراً من تاريخه مع ضرورة تعميمه على جميع فروعكم العاملة بالسودان)) انتهى. في الأثناء برزت إلى السطح نُذر الخلافات بين الوزراء المعنيين في التجارة والثروة الحيوانية، وبين المصدّرين الحقيقيين و(جوكيّة) الصّادر من السّاعين في تنفيذ القرار تحقيقاً لمصالحهم الشّخصية. في دهاليز التجارة وداخل أروقتها تابعت (الأهرام اليوم) الاجتماعات المكثفة التي أحدثها القرار من لقاءات ضمت وزير الدولة والوكيل ومديري إدارات الصادر للتجارة الخارجية والداخلية. حاولنا استنطاق وكيل التجارة بيد أنّه استعصم بالصمت ورفض التعليق. أمّا مديرو إدارات الصادر فكانوا ينتظرون حضور الوزير من (الدوحة). عمر الشريف بعد وصوله نفى نفياً تاماً قرار السّماح بتصدير إناث الماشية، وهو ما لا يتّسق مع منشور بنك السودان الممهور بتوصية من وزير التجارة. في الأثناء جاء المنشور الجديد للبنك المركزي الذي ألغى بموجبه قرار السماح بتصدير إناث الماشية وأصدر قراراً جديداً بتوصية من وزارة التجارة في هذا الخصوص؛ بتاريخ 29/ أبريل/ 2012 جاء فيه: (الموضوع: صادر إناث الحيوانات) بالإشارة إلى خطاب وزارة التجارة بالنمرة (و ت خ/ صادر/4) بتاريخ 26/ أبريل/ 2012م والخاص بالموضوع أعلاه، نفيدكم بإلغاء منشور إدارة السياسات ببنك السودان المركزي رقم (5/2012) الصادر بتاريخ 24/4/2012م، وعلى جميع المصارف عدم الدخول في أي ترتيبات مصرفية تتعلق بصادر إناث الحيوانات. يسري العمل بهذا المنشور اعتباراً من تاريخه مع ضرورة تعميمه على جميع فروعكم العاملة بالسودان)). انتهى. القرار الجديد من بنك السودان بحظر تصدير إناث الماشية وجد صداه وسط المصدرين، حيث أبدى الأمين العام لشعبة تصدير الماشية صديق حيدوب ارتياحه من تفهّم الجهات الرسمية لمخاطر القرار وتدخّلها السريع لحسم الأمر، خاصة وأنّ هناك فئةً من المضاربين والمتلاعبين بصادر الماشية كانوا يريدون تمرير القرار وتضليل الأجهزة الرسمية لتحقيق مصالحهم الشخصية، مشيراً إلى أن هناك بعض المصدرين ممن سمّاهم بالمفسدين وبمعاونة بعض الإدارات الحكومية تسببوا في إحداث هذه الربكة، ولكن يقظة وحرص الأجهزة الرسمية حالت دون تنفيذ القرار. واعتبر عدد من المصدرين الذين استنطقتهم (الأهرام اليوم) بخصوص القرار أنّه خطوة مهمة لحماية صادر الثروة الحيوانية من أيدي فئة قليلة كانت تريد التلاعب بالصادر القومي، الذي يرفد خزانة الدولة بمورد مهم من النقد الأجنبي، وتأتينا الخلاصة من أحدهم: (القرار المنظم والصحيح محل احترام الجميع؛ ولكن التخبط وتعدّد مراكز القرار له خطورته وآثاره السالبة على الجميع).