وزير المالية علي محمود مسيرته الأكاديمية تقول إنه درس بجامعة الخرطوم كلية الاقتصاد وتخرج فيها في منتصف الثمانينيات، ومن ثم عمل في القطاع المصرفي لفترة ناهزت ال(15) عاماً، وبعدها عمل وزير مالية في ولايتي البحر الأحمر وجنوب دارفور لأكثر من سبع سنوات، وخلال مسيرته في العمل التنفيذي تم تعيينه وزير دولة بالمالية لعامين وبعدها تم تعيينه والياً لولاية جنوب دارفور التي قضى فيها فترة عامين ونصف العام. ومن خلال هذا التدرج الوظيفي المتواضع ومن خلال الواقع يقول محمود عن نفسه إنه بخلفيته الأكاديمية وبتجاربه المحدودة يستطيع أن يسهم في حقيبة المالية التي تعتبر من الحقائب الحساسة وغيرها من مواقع الدولة الأخرى. محمود البالغ من العمر أربعة وخمسين عاماً يعتبر عضواً ملتزماً في الحركة الإسلامية منذ أن كان طالباً في جامعة الخرطوم، وظل طيلة فترة حكم الإنقاذ ومنذ زمن مبكر يعمل على مستوى اللجان الشعبية في الأحياء ومن ثم مجالس المناطق ومن ثم عمل في اللجنة الشعبية للولاية بجنوب دارفور قبل تعيين مجالس الولايات عندما تم زيادتها إلى«26» ولاية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وبعدها انتخب عضواً في المجلس التشريعي الولائي بجنوب دارفور وأصبح رئيساً للجنة الاقتصادية بالمجلس، ثم تم انتخابه في المجلس الوطني عضواً منتخباً. وطوال تلك الفترة ظل محمود يعمل في البنوك، وبعد فترة عمله في المجلس الوطني بدأت مسيرة عمله بوزارة المالية التي تنقل فيها ما بين البحر الأحمر وجنوب دارفور ومن ثم وزير دولة بالمالية، وبعدها تم تعيينه والياً لجنوب دارفور ثم وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني التي لازال يدير دفتها حتى الآن. وكان محمود قد قال من قبل ل (الأهرام اليوم) عن تجاربه ومقدرته على إدارة دفة الوزارة: (أنا أعتقد أنني بتجاربي المتواضعة جداً من الممكن في وقت مثل هذا أن أكون وزيراً للمالية وقد كان). ويضيف قائلاً "أنا واحد من أبناء السودان وواحد من أعضاء المؤتمر الوطني، وبالتالي من الطبيعي أن أتولى أية حقيبة في الدولة سواء كانت وزارة المالية أو أية وزارة أخرى حسب الظروف ومقتضيات الواقع". وأكد محمود في حديثه أنه لم يأت منتدباً من دارفور ولم يأت كي يعمل عملاً محدداً لدارفور. واستدرك قائلاً "لكن أتيت لعمل قومي لجميع ولايات السودان بلا تمييز أو تحيز". وبحسب محمود حول إدارة دفة المالية أن أي شخص بمجرد أن يجلس في حقيبة وزارة المالية والاقتصاد الوطني وإن كان جلوسه فيها لفترة شهر واحد، يستطيع أن يعرف جميع أسرار السودان المالية، بجانب معرفته لجميع سياسات العمل الماضي والعمل الذي يأتي في المستقبل يستطيع أن يعرفه، فضلاً عن ذلك أنه يستطيع أن يتعرف على موارد الدولة وحجمها وكيفية توظفيها. وأوضح محمود أنه يعرف جميع الأسرار في وزارة المالية، وأنه الشخص الوحيد المسؤول عن الوزارة مسؤولية تامة، وزاد بالقول "لا يوجد شك في ذلك على الإطلاق". وفيما يختص بفلسفته في الإدارة يؤكد محمود أن إدارة دفة حقيبة وزارة المالية والاقتصاد الوطني تكمن في تفويض سلطات مديري الإدارات ورؤساء الأقسام الذين يقوم الوزير بإدارتهم، ويؤمن الوزير بتفويضهم ومراقبتهم، وأن يكون قريباً منهم كل القرب، ويرفض محمود الهيمنة على جميع العمل ويضعه بجانبه لاعتبار أن هذا الأمر يمكن أن يعطل العمل، بجانب أنه يؤمن بتوظيف الموظفين التوظيف الأمثل بحسب ما قاله من قبل ل(الأهرام اليوم)، مؤكداً أنه أعطى وكيل الوزارة ومديري الإدارات صلاحياتهم وتوظيفهم ليقوموا بواجباتهم مع الأخذ في الاعتبار ملاحقتهم وإعطائهم سلطات حسب القانون وما يسمح به. وبعد تولي محمود لمنصب المالية الحساس انهالت المطالبات على وزارته للإيفاء بالتزامها وتحويل الأموال للجهات والمؤسسات في الدولة سواء أكانت وزارات أو ولايات، حيث دخل محمود في عدة صراعات مع ولاة بعض الولايات، حيث دخل والي جنوب دارفور السابق الدكتور عبد الحميد موسى كاشا في صراع مع وزير المالية، ورشحت في تلك الفترة أحاديث تناقلتها بعض الصحف ومجالس مدن دارفور، مفادها أن وزير المالية والاقتصاد الوطني علي محمود ظل يتعمد تعطيل تحويلات ولاية جنوب دارفور التي يديرها كاشا الذي دفع حينها بعدة شكاوى لرئيس الجمهورية من ظلم وزارة المالية والاقتصاد الوطني، واتهمها بعدم تحويل ما يحق لولايته السابقة من أموال. وقال كاشا حينها "هناك تعقيدات وتآمر من المركز على الولاية ويفترض حدوث تنسيق بين الجهتين حول التدفقات المالية". وتطور الصراع فيما بعد بين الرجلين لذات الأسباب، وأقر حزب المؤتمر الوطني الذي ينتمي له الرجلان في وقت سابق بوجود خلافات بين وزير المالية والاقتصاد الوطني علي محمود ووالي جنوب دارفور السابق الدكتور عبدالحميد موسى كاشا. ويبدو أن الخلاف الذي نشب بينهما وعجل وقتها بأن يدفع كاشا باستقالته بعد أن تم إعفاؤه من منصب الوالي بجنوب دارفور، إلا أن كل الجهود والوساطات التي قادها الوطني لإقناع كاشا بالعدول عن قرار استقالته فشلت، وإبان فترة الخلافات بين الرجلين نفى كاشا وجود خلافات شخصية بينه وبين وزير المالية، وأكد أن ما حدث بينهما كان خلاف مؤسسات وانتهى. وقال حينها إنه لا يحمل أية ضغينة تجاه وزير المالية باعتبار أن ما حدث بينهما كان خلاف مؤسسات وانتهى. إلا أن ما قاله كاشا أكد وجود خلاف مؤسسات بين الرجلين. ولم يمضِ وقت طويل على الخلافات التي نشبت بين محمود وكاشا، إلا وانفجرت خلافات وصراعات أخرى من نوع آخر بين وزير المالية مع والٍ آخر لكنه مثير للجدل، هو كرم الله عباس الشيخ والي القضارف، وشهدت الفترة الماضية خلافات حادة بينهما الأمر الذي دفع كرم الله لأنْ يشن هجوماً عنيفاً في وقت سابق على وزير المالية واتهمه بالعمل بفقه الموازنات، وأنه أوقف إجراءات سداد استحقاقات ولاية القضارف بعد أن اعتمدها وكيل الوزارة السابق، واعتزم كرم الله في وقت سابق قبل حل حكومته مؤخراً تقديم شكوى قضائية للمحكمة الدستورية ضد وزارة المالية التي ماطلت في تسديد استحقاقات ولاية القضارف، وهدد بعدها بتقديم استقالته من منصبه في الأول من يونيو المقبل في حالة عدم التزام المالية بسداد حقوق ولايته. وفي سياق تطور الصراع بين الرجلين رشحت الأخبار التي تناقلتها مجالس "الخرطوم" أن والي القضارف كرم الله عندما حضر إلى العاصمة اشتبك مع وزير المالية علي محمود الذي رفض مقابلته في مكتبه يوم الخميس الماضي الثالث من مايو الجاري، الأمر الذي حدا بكرم الله اقتحام مكتب وزير المالية والدخول معه في مشادات كلامية وصفت بالحادة. وعقب عودته إلى حاضرة ولايته مدينة القضارف قرر الوالي المثير للجدل حل حكومته على نحو مفاجئ، وقال بعد قرار الإعفاء إن وزارة المالية في الخرطوم تتمتع بسلطات أعلى من مؤسسة الرئاسة، واتهم وزير المالية بأنه يتحكم في المال، وطالب رئيس الجمهورية بإعفائه. رئيس السلطة الإقليمية لدارفور ورئيس حركة التحرير والعدالة الدكتور التجاني السيسي بدوره دفع بشكواه للمجلس الوطني في تقريره الذي قدمه بهذا الخصوص، واشتكى من عدم توفر المال لضمان إنفاذ وثيقة الدوحة، وطالب وزارة المالية بسداد مبلغ «200» مليون دولار عبارة عن استحقاق إنشاء بنك تنمية دارفور، غير أن السيسي لازال يستخدم اللغة الناعمة في الحصول على استحقاقات السلطة من المالية، ولكن من خلال الواقع يبدو أن صبره سينفد قريباً في حال استمرار المالية في منهجها القاضي بعدم سداد استحقاقات وثيقة الدوحة لسلام دارفور. وفي ذات الاتجاه وضع وزير العدل مولانا محمد بشارة دوسة في وقت ليس بالبعيد قضايا وزارته أمام البرلمان، وشكا من وزارة المالية والاقتصاد الوطني، وقال في حديثه أمام البرلمان: "بالرغم من التزام المالية بالموازنة المصدقة لوزارته إلا أن ذلك لم يتم رغم متابعتنا للأمر". بجانب عدم إنفاذ الهيكل الراتبي المجاز الذي نفذ جزئياً من خلال العام الحالي بنسبة 25 %. وزير المالية علي محمود لازمته طوال مسيرته في العمل التنفيذي العام حساسية في التعامل مع الصحافة والصحافيين، ولم تفارقه رغم تنقله بين مختلف المناصب في الدولة، ومن بين الأساليب المثيرة للجدل التي قام بها محمود من قبل هي عندما كان والياً في جنوب دارفور؛ قام باستدعاء الصحفي بصحيفة السوداني محجوب حسون في مكتبه وسأله عن مصدر خبر، وحينما رفض حسون الكشف عن مصدره قام محمود باستدعاء الشرطة لاعتقال حسون من داخل مكتبه بأمانة الحكومة، الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين مخالفة واضحة وصريحة لقانون الصحافة والمطبوعات الصحفية. ولم يقف محمود عند هذا الحد في تعامله مع الصحفيين، بل قام مرة أخرى بتوقيف الصحافي بصحيفة السوداني أبوالقاسم إبراهيم بتوجيه منه شخصياً بعد أن وجه طاقم حراسته بتسلُّيمه لإدارة حماية الشخصيات الدستورية، وقصد الوزير بالاعتقال الضغط على الصحفي لمعرفة من أين أتى بالعقد الخرافي الذي يخص مدير شركة الخرطوم للأوراق المالية. وكرر ذات الأمر مع الصحفي بذات الصحيفة أنور شمبال وأصدر أوامر تقضي بتحريم دخولهم لوزارة المالية، وذاكرة التاريخ تقول إن محمود عندما كان وزيراً للمالية بولاية البحر الأحمر في مايو من العام 2004م دخل في صراع من نوع آخر مع الصحفي محمد عثمان بصحيفة "الصحافة" عندما كشف الصحفي عن اختلاسات في الوزارة التي يديرها محمود في ذلك الوقت، وفقاً لتقرير المراجع العام الذي تحصل عثمان على نسخة منه.