{ شكراً للذين سألوا عن عافية كتابتي أمس عسى أن يثقل الله موازينهم به.. إن الأمر اقتصر لدى قلبي بازدياد الدقات بلا سبب متعارف عليه قديم، مع ارتفاع ملحوظ في نسبة القلق و... قال الطبيب إنه لا شيء سوى أمراض الصحفيين الثلاثة! { وتبدأ بالقلب ومتاعبه الغريبة التي تتكفل بإيقاظها عند الصحفيين المواعيد المتأخرة للبروفة الأولى للصحيفة والموعد النهائي للمطبعة والتصحيح والأخطاء المطبعية القاتلة والتي يمكن ببساطة أن تحيل الصحيفة وكامل طاقمها للتحقيق فقط لتأثير نقطة في غير مكانها أو حرف (واو) زائد! { وتمر المتاعب بالصدر، وحيث أن الغالبية العظمى من الصحفيين في السودان هم الرجال فإن متاعب الصدر تختصر في التدخين الذي به يبررون تنفيس الغضب من ذات المشاكل السابقة أو اللاحقة في إدارة الصحيفة تحريرياً أو إدارياً وتوزيعياً.. ويا إلهي ترفق بالصحافة السودانية من أمراض التوزيع الثلاثة كذلك. { بجانب أن التدخين يعتبر (لزمة) لدى البعض تبيّن عمق تفكير الصحفي وثرائه المعرفي في دنيا الجرايد، وذلك من خلال سحب الدخان التي تغطي وجهه وفمه حين التحدث! أو كمية أعقاب السيجارات في منفضته أو بقع النيكوتين على أصابعه! { وتنتهي المتاعب الصحية بالجهاز الهضمي وقرح المعدة والمصران الغليظ والرقيق والكبد والمرارة وجميعها (تفقعها) الأمور الإنسانية والسياسية والاقتصادية والتفاوضية والتحاورية والانتخابية ...الخ... { بجانب أن الصحفيين أصحاب رقم قياسي في تفويت الوجبات أو تغييرها لتصبح وجبة واحدة في اليوم! وذلك لمتابعتهم المتلاحقة للأخبار واللقاءات وهواتف المسؤولين التي لا يمكن الوصول اليها حالياً أو في أي وقت لاحق.. تماماً كوجباتهم وحقوقهم الضائعة! { لهذا فإن الأطباء حين معرفتهم لمهنتك من خلال استمارة كشفك وبعد التحدث عن موضوعات الساعة يخمِّن بما لا يدع مجالاً لتشخيص آخر مشكلتك بالضبط بحسب شكواك التي قادتك إليه. { ولم أفِده بأني لا أُصنّف الآن صحفية من ذاك النوع الجميل، رغم شهادتيّ الجامعة والقيد التي تفيد بذلك، فقد تحولت بقدرة أمومتي الى كاتبة راتبة تبحث في الخبر لاعنه! وتصنع الكلمات لا اللقاءات وترسم خطوط لسير الحروف لا الصور! لهذاربما خرج تشخيصي من أمراض الصحافة الثلاثة ودخل من باب أمراض الفقراء من الدم وليس الذم بأن ما عندك دم!! { ورغم أن الصحافة تصنَّف من ضمن السلطات المسيطرة في الدول . بغض النظر عن وضعها داخل السودان! فإن الصحفيين أنفسهم يفتقدون للسيطرة تلك التي تضع حداً بينهم والأمراض المنقولة صحفياً، فبغير التدخين الذي يختص به رجال الصحافة حسبما أعتقد من زمان وهو آفة لا يتكفلون عناء تخليص أنفسهم منها بالسيطرة على إدمانهم المزعج لها.. فإن بقية الأمراض يتشارك فيها الجميع نساء ورجال الصحافة، والنساء بالذات يسيطرنّ على أمراض الجهاز الهضمي دون القلب ربما لخصوصية التركيبة الإحيائية التي حبا الله سبحانه وتعالى بها المرأة، بالمورفين الطبيعي الذي يفرزه جسدها كل شهر، فيقلل بدوره من خطر إصابتها بالنكسات والانتكاسات القلبية، اللهم إلاّ التي يتسبّب فيها الحب.. فهذا لا يدخل ضمن التأمين الصحي الرباني للمرأة، وللصحفيات بالطبع!! لهذا فإن المؤسسات العلاجية وشركات التأمين قد تدافعت لتوفير التأمين الصحي للصحفي لضمانه في كمال الصحة والعافية ليتمكن من أداء واجبه.. وليخفف قليلا من حدة تقييمها الأدائي غير المتقن في خدمة البني آدميين العاديين، وتكسبه كعدو غير معلن وكمستفيد مفيد في تحسين وضعها الاجتماعي عند الناس. وإن كانت في القلب أو الصدر أو العقل أو البطن فإن متاعب الصحفي لا تنتهي مادامت أمراض المجتمع متفشية بلا تأمين أو وقاية.. وعافية الناس في هذا المجتمع مرهونة بالسؤال.