كالعادة، وخلافاً لكل دول العالم التي تتم فيها مراسم الزواج في يوم او اثنين وبأقل التكاليف الممكنة، نجد أن الزواج السوداني هو عبارة عن مسلسل مكسيكي يستمر لأيام وأيام يجتمع فيها الأهل والأحباب والجيران وجيران الجيران والأقارب من الدرجة (الخمسمائة بعد الألف)، وتُنفق فيه أموال طائلة تكفي لبناء مستشفى حديث او فندق (5) نجوم او رواتب المعلمين في احدى المحافظات.. تبدأ الحكاية بعد أن تحس بالقلق عندما تجد أن معظم اصدقائك قد دخلوا القفص الذهبي طائعين مختارين أؤمن تماما بمسألة القفص ولكن لديّ تحفظات كثيرة على حكاية ذهبي دي المهم تحس بالخطر وتأخذك غضبة حمقاء وتناجي نفسك وأنت في حفلة زواج احد الاصدقاء (والله الواحد بعد دا يشوف ليه مرا. معقول هناي الاهبل دا يعرس وانا لسة قاعد براي زي تور الساقية).. عندها يستعرض خيالك قائمة طويلة من معارفك البنات، ابتداءً من ناس نونة زميلتك في الروضة، مروراً بصديقات مرحلة المراهقة الكُتار، وحتى زميلات الجامعة والشغل وبنات الحلة وبنات الأعمام والأخوال وباقي الاهل، ثم وبسرعة تنسى كل اولئك النساء في حياتك عندما تسترعي انتباهك الحسناء الجالسة في ركن قَصيّ في حفل ذات الصديق الاهبل. تحبها من أول نظرة وتراقب حركاتها وسكناتها، تلاحظك هي لكن (تعمل ماشايفة) وتتلاهى بمكالمة وهمية في موبايلها وهي ترمقك من طرف خفيّ كما يفعل الصياد المحترف. المهم تتعارفوا بواحدة من الطرق الكثيرة، وجلسة جلستين في الكافتريا ثم (ياهناي والله انا ماممكن اطلع وانزل معاك كدا ساي الناس تقول علينا شنو؟ سُمعتي حاتبوظ) ثم تمسح دمعة وهمية من عينيها فتأخذك الحماسة وتقول (والله ياسوسو ودا اسم دلع يقبل آلاف الاسماء منعاً للمشاكل أنا ناوي أَصَل بيتكم بس إنتي عارفة الظروف والعرس بيكلف كتير وووووو) فتقاطعك سوسو بحِنِّية ثعلبية وبنعومة الأفاعي ( أنا مادايرة منك شي إنت بس تعال اخطب والعرس يتأجل لحد ما الظروف تتحسن) فتُصدق الكلام من عَوارتك وتحدد يوم الخطبة وتأخذ ثلة من اهلك وشوية من جيرانك واصدقائك وتقصد بيت الملاك المختار، وتفاجأ انت واهلك بحشد كبير فى بيت العروس وخيمة كبيرة امام البيت وصوت المايكرفون يردد ( تست تست واحد اتنين تلاتة تست تست).. تأخذك الدهشة قبل ان يأخذك أبو العروس جانباً، يعدل عِمّته التوتل ثم يقول ( والله ياولدي انحنا خطوبة ومسخرة ودخلة ومرقة ماعندنا، عشان كدا قررنا نعقد ليكم طوالي والعرس بالراحة)، ثم بابتسامة محذِّرة (ولا رايك شنو)؟ وقبل أن تدلي برأيك غير المعتد به اصلاً يكون وكيلك ووكيلها قد أتمّا عقد القران في الخيمة وتحولت انت بقدرة قادر من مشروع خطيب الى زوج مع وقف التنفيذ بسرعة البرق ثم يغمرك المعازيم ( مبروك ياعريس.. مبروك ياعريس.. بيت مال وعيال) وانت كاضم ماقادر ترد، وتسمع احدى عمات العروس وهي تقول (شوفوا ياأخواني من الفرحة لمّن ماقادر يتكلم) ثم تُطلق زغرودة مُدويَّة وهي تبتعد، تجتاحك معها رغبة في لكمها في فمها لتخرس إلى الابد .. فرغم أنها صارت شرعاً حرمك المصون الا انه يجب عليك ان تقوم بطقوس مهولة ومراسم عرس كامل لاستلامها!!! وعندما تثور على الوضع وتحلف بالطلاق أن تمشي تجرّها من شعرها وتجيبا بيتك بدون حفلات او كلام فارغ وتَخْلص ، تُفاجأ بأن المعارضة تأتيك من الداخل أي امك واخواتك ( ليه مادايرنا نفرح بيك؟ انحنا اقل من الناس البسوُّو الأعراس؟ والله لو ماعملت عرس ماعافين منك؟ عليك الله عاين دا، داير الجارات ياكلن وشنا)؟ فترضخ للأمر الواقع وتبيع قطعة ارض ورثتها عن جدك الرابع عشر وترهن بيت ابوك وتبيع الكمبيوتر والموبايل وتزُوغ ببعض الصناديق ثم تستلف من 10 15 صديق كدا، وأخيراً وأخيراً جداً تجد نفسك حالق جديد ولابس بدلة سوداء (لون الحِداد)!! تتأبّط شراً هو عروسك المصونة والتي جاءتك في هيئة فيل صغير بعد ان نجحت وصفات التسمين التي قامت بها العمات والخالات وبعض الصديقات الخبيرات، تأتيك متدحرجة في فستان ابيض (لون الفرح)!! فتجلسان تحت بقعة ضوء مزخرفة عليها كرسيان تُعرف بالكوشة والتي لأول مرة تدرك معناها!!.. الجميع في الحفل في رقص هستيري والفنان يصدح بسعادة غير مبررة :( شِن بتقولوا في الفرح البعذِّب سيده والريد البضيِّع زولو)! فتلمس الاغنية فيك أوتاراً حساسة وتكاد الدموع تنزل من عينيك.. وتجول عيناك على الحضور السعيد وتتوقف على آخر العُزَّاب من اصدقائك وهو يرنو اليك بحسد تارة وتجول عيناه بين الحسناوات تارة اخرى، وتكاد تقرأ افكاره وهو يفكر (هسي فلان الأهبل دا عَرَّس وانا قاعد براي زي تور الساقية)؟ وتكاد تصرخ فيه مُحذِّرا ولكن صوتاً خبيثاً في داخلك يهمس بمكر وحقد (وانا مالي، هو أنا في زول حذَّرني)؟.. تلويح: ورغم العذابات والتضحيات.. رجاءً: تَزَوَّج.. وابتسم للحياة..