التهديد الهاتفي الذي تلقته السفارة الأمريكيةبالخرطوم أمس الأول (الإثنين)، الذي أشار إلى احتمال تعرض السفارة لحادث «لم تحدده المصادر»، أعاد إلى الأذهان أحداثاً تاريخية عديدة عرفها الوجود الأمريكي ببلادنا ارتبطت بشهر مارس. وكانت أبرزها أحداث «أيلول الأسود» 1973م، عندما رأت منظمة «أيلول الأسود» الفلسطينية أن مشكلاتها مع العدو الإسرائيلي لا تحل إلا بمزيد من العنف، ولم تجد أرضاً في بلاد الله الواسعة، لتمارس عليها نضالها العنيف غير الأرض السودانية، فاختارات حفل وداع دبلوماسي أمريكي واستقبال آخر بمنزل السفير السعودي بالخرطوم آنذاك السفير عبد الله الملحوق مسرحاً لذاك الحادث الدموي الذي هز الأرض من الخرطوم إلى واشنطون. وصادف أمس الأول (الإثنين)، الأول من مارس، مرور (28) عاماً على تلك الأحداث الدامية التي لم يعتدها السودانيون، حيث قام ثمانية رجال ملثمون من منظمة «أيلول الأسود» الفلسطينية بتنفيذ هجوم خاطف على منزل السفير السعودي في الخرطوم خلال حفل دبلوماسي لوداع القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم كيرتس مور، واستقبال السفير الأمريكي الجديد كليو نويل، واعتقل الفلسطينيون المهاجمون السفير والقائم بالأعمال، بالإضافة الى سفير السعودية عبد الله الملحوق وزوجته وأطفالهما الأربعة والقائم بأعمال بلجيكا غاي ايد والقائم بأعمال الأردن عدلي الناصر. وساعتها طالب الخاطفون بالإفراج عن آلاف الفلسطينيين في سجون إسرائيل، ومئات الفلسطينين في سجون الأردن الذين اعتقلوا بعد حرب أهلية بين الملك حسين والفلسطينين في سبتمبر عام 1970م، إضافة إلى الإفراج عن سرحان سرحان وهو فلسطيني أمريكي حوكم بالسجن المؤبد في أمريكا لاغتياله السناتور روبرت كنيدي عام 1967م. وفي اليوم الثاني للأحداث رفض الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون التفاوض مع الفلسطينيين، وقال إن الولاياتالمتحدة «لن ترضخ للابتزاز»، وفي اليوم الثالث أعلن الفلسطينيون قتل الغربيين الثلاثة، وأطلقوا سراح العرب، واستسلموا للشرطة السودانية. وبعد ستة شهور، حكمت محكمة سودانية بالسجن المؤبد على الفلسطينيين، وخوفاً من المشاكل، أمر الرئيس الأسبق جعفر نميري بتسليمهم إلى ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت القاهرة مقراً لها وذلك ليقضوا فترة الحكم في سجن مصري، وبينما هم في مصر هرب ثلاثة منهم واختفوا. هذا ما حدث في الأول من مارس في العام 1973م، وقد مر بخاطري أمس الأول، وأنا أقر الخبر الذي أعده محرر الجريمة النشط الزميل طارق عبد الله، ما سبق أن قرأت عن تلك الأحداث، وكم هالني عندما رجعت إلى الإرشيف، من خلال البحث عبر شبكة الإنترنت، لاستعيد الحقائق والمعلومات التي حدثت في ذاك الزمان البعيد نسبياً، كم هالني توافر المعلومات لا سيما تقارير الاستخبارات الأمريكية التي أُفرج عنها بعد مرور (25) عاماً عليها، لقد كانت الخرطوم محطة مهمة لأجهزة الاستخبارت العالمية ومازالت.